في العتو والطغيان، واستهزاءهم بالرسول - ﷺ -، وكان ذلك يشق عليه، ويصعب على نفسه.. ذكر له قصص موسى مع فرعون طاغية مصر، وبين له أنه قد بلغ في الجبروت حدًا لم يبلغه قومك، فقد ادعى الألوهية، وألب قومه على موسى، وكان موسى مع هذا كله يتحمل المشاق العظام في دعوته إلى الإيمان، ليكون ذلك تسليةً لرسوله - ﷺ -، عما يلاقيه من قومه من شديد العناد، وعظيم الإعراض، يرشد إلى ذلك قوله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾. وفي ذلك عبرة أخرى لقومه، وهي أن فرعون مع أنه كان أقوى منهم شكيمة، وأشد شوكة، وأعظم سلطانًا، لما تمرد على موسى عليه السلام، وعصى أمر ربه.. أخذه الله نكال الآخرة والأولى، ولم يعجزه أن يهلكه ويجعله لمن خلفه آيةً، فأنتم أيها القوم مهما عظمت حالكم، وقوي سلطانكم.. لم تبلغوا مبلغ فرعون، فأخذكم أهون على الله منه. وفي هذا تهديد لهم وإنذار بأنهم إن لم يؤمنوا بالله ورسوله.. فسيصيبهم مثل ما أصاب فرعون وقومه، كما قال في آية أخرى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤)﴾.
قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما قص على المشركين قصص موسى عليه السلام مع فرعون، وأومأ بهذا القصص إلى أنهم لا يعجزون الذي أخذ فرعون ونكل به، وجعله عبرة للباقين، وسلى به رسوله حتى لا يحزن لتكذيب قومه له، وعدم إيمانهم بما جاءهم به.. أخذ يخاطب منكري البعث وينبههم إلى أنه لا ينبغي لهم أن يجحدوه، فإن بعثهم هين إذا أضيف إلى خلق السموات التي تدل بحسن نظامها وجلالها على حكمة مبدعها وعظيم قدرته وواسع حكمته وإلى خلق الأرض التي دحاها، وجعلها معدة للسكنى، وهيأ فيها وسائل المعيشة للإنسان والحيوان، فأخرج منها الماء الذي به حياة كل شيء، وأنبت فيها النبات الذي به قوام الإنسان والحيوان.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon