فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} فتضطرب الأرض لإحياء الموتى، كما اضطربت في المرة الأولى لإماتة الأحياء، ويروى عن رسول الله - ﷺ - أن: "بين النفختين أربعين عامًا"، كما يروى: أن في هذه الأربعين يمطر الله الأرض، ويصير ذلك الماء عليها كالنطف، وأن ذلك الماء سبب في حياء الموتى، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، بيده الأمر وهو على كل شيء قدير.
٨ - وقوله: ﴿قُلُوبٌ﴾ (١): مبتدأ، وتنكيره يقوم مقام الوصف المخصص المجوز للابتداء بالنكرة، سواء حمل على التنويع، وإن لم يذكر النوع المقابل فإن المعنى منسحب عليه، أو على التكثير، كما في قولهم: شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ. فإن التفخيم كما يكون بالكيفية.. يكون بالكمية أيضًا، كأنه قيل: قلوب كثيرة أو عاصية، كما قال في، "التأويلات النجمية": قلوب النفس المتمردة الشاردة النافرة عن الحق ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ تقع النفختان، وهو متعلق بقوله: ﴿وَاجِفَةٌ﴾ وهذا خبر المبتدأ؛ أي: شديدة الاضطراب من سوء أعمالهم وقبح أفعالهم، فإن الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل، وعلم منه أن الواجفة ليست جميع القلوب، بل قلوب الكفار، فإن أهل الإيمان لا يخافون.
٩ - ﴿أَبْصَارُهَا﴾؛ أي: أبصار أصحابها، كما دل عليه قوله: ﴿يَقُولُونَ﴾، وإلا فالقلوب لا أبصار لها، وإنما أضاف الأبصار إلى القلوب؛ لأنها محل الخوف وهو من صفاتها. ﴿خَاشِعَةٌ﴾، أي: ذليلة من الخوف بسبب الإعراض عن الله، والإقبال على ما سواه، يترقبون أي شيء ينزل عليهم من الأمور العظام، وأسند الخشوع إليها مجازًا؛ لأن أثره يظهر فيها.
والخلاصة: أن الله سبحانه وتعالى أقسم بالنازعات والناشطات والسابحات فالسابقات فالمدبرات.. لتبعثن بعد الموت، ولتنبؤن بما عملتم، ولتجزون بالإحسان إحسانًا وبالسوء سوءًا، وإنها لجنة أبدًا أو نار أبدًا. ويوم ترجف الراجفة تضطرب الأرض والجبال تتبعها الرادفة وتمور السماء مورًا وتسير الجبال سيرًا وتكون قلوب الكفار مضطربة قلقة خائفةً؛ لأنهم أبصروا ما كانوا ينكرون، ورأوا ما كانوا يوعدون، ولذا قال تعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (٨) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (٩)﴾، فالقلوب

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon