تفسير للنداء؛ أي: ناداه نداءً، هو قوله: اذهب، وقيل: هو على حذف أن المفسمرة؛ ويؤيده قراءة ابن مسعود: ﴿أن اذهب﴾؛ لأن في النداء معنى القول، قال الحسن (١): وكان فرعون علجًا من همدان، وعنه أيضًا: كان من أصبهان، طوله أربعة أشبار، وهو أول من اتخذ القبقاب ليمشي فيه خوفًا من أن يمشي على لحيته، وقال مجاهد: كان أهل اصطخر.
وقرأ عبد الله: ﴿أن اذهب﴾؛ لأن في النداء معنى القول كما مر آنفًا. وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ تعليل للأمر بالذهاب، أو لوجوب الامتثال به، والطغيان: مجاوزة الحد؛ أي: طغى على الخالق بأن كفر به، وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم، فكما أن كمال العبودية لا يكون إلا بالصدق مع الحق، وحسن الخلق مع الخلق، فكذا كمال الطغيان يكون سوء المعاملة معهما.
١٨ - ﴿فَقُلْ﴾ له بعدما أتيته: ﴿هَلْ لَكَ﴾ رغبة وتوجه ﴿إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ بحذف إحدى التائين من تتزكى؛ أي: إلى أن تتطهر من دنس الكفر والطغيان، ووسخ الكدورات البشرية، والقاذورات الطبيعية.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تَزَكَّى﴾ بالتخفيف، وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي؛ قال أبو عمر بن العلاء: معنى قراءة المخفيف: تكون زكيًّا مؤمنًا، ومعنى قراءة التشديد: الصدقة. وفي الكلام مبتدأ مقدر يتعلق به ﴿إِلَى﴾، والتقدير: هل لك رغبة، أو هل لك توجه، أو هل لك سبيل إلى التزكي؟ كما مر آنفًا.
١٩ - ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾؛ أي: وأرشدك إلى معرفته فتعرفه، ففي النظم مضاف مقدر، وتقديم التزكية لتقدم التخلية على التحلية. ﴿فَتَخْشَى﴾؛ إذ الخشية لا تكون إلا بعد معرفته، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؛ أي: العلماء بالله، وجعل الخشية غاية للهداية؛ لأنها ملاك الأمر؛ لأن من خشي الله.. أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شر، كما قال النبي - ﷺ - "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل" والإدلاج: السير أول الليل.
ثم إنه تعالى (٣) أمر موسى عليه السلام بأن يخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض، ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)﴾ أما كونه لينًا..

(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon