الخلائق، فأدخل الطائعين الأبرار الجنة، وأدخل التمردين العصاة النار، وقد وصف هذا اليوم بوصفين:
١ - ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (٣٥)﴾؛ أي: أعني بذلك اليوم: حين يرى الإنسان أعماله مدونة في كتابه، وكان قد نسيها، فتعاوده الذكرى، كما قال تعالى: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾.
٢ - ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)﴾؛ أي: وأظهرت النار حتى يراها كل ذي عينين، سواء منهم المؤمن والكافر، سوى أنها تكون مقرًا للكافرين، وينجي الله المؤمنين.
والخلاصة: إذا جاء ذلك اليوم.. فصل الله بين الخلائق، كما فصله بعد بقوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧)﴾، أي: عتا وتمرد عن الطاعة، وتكبر عن الحق، وجاوز الحد في العصيان، كالنضر بن الحارث وأبيه الحارث، المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان،
٣٨ - ﴿وَآثَرَ﴾، أي: اختار ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾؛ أي: الفانية التي على جناح الفوات، فانهمك فيما متع به فيها، ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة،
٣٩ - ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ﴾ التي ذكر شأنها ﴿هِيَ﴾ لا غيرها، وهو ضمير فصل، أو مبتدأ ﴿الْمَأْوَى﴾؛ أي: مأواه، فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصي، فالكلام في حق الكافر، لكن في موعظة وعبرة موقظة للمؤمن، والألف (١) واللام فيه عوض عن المضاف إليه كما أشرنا إليه؛ للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، نظير قولك: غض الطرف؛ أي: طرفك، فإنه لا يغض الرجل طرف غيره، وذلك لأن الخبر إذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ، فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس، فلا احتياج في مثل هذا المقام إلى الرابط.
والمعنى: أنها منزله الذي ينزله، ومأواه الذي يأوي إليه لا غيرها؛ أي: فأما من تكبر وتجاوز الحد، وآثر الحياة الدنيا وشهواتها على ثواب الآخرة فالنار مثواه ومستقره،
٤٠ - ثم ذكر القسم الثاني من القسمين، فقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾؛ أي: قيامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى، وذلك

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon