مَيِّتُونَ (٣٠)} قال مجاهد: المعنى: ما صنعت فيه من شيء فأنت حل.
وفي "فتح الرحمن": إن قلت: لِمَ كرر لفظ ﴿الْبَلَد﴾؟
قلت: لم يكرره؛ إذ التقدير: لا أقسم بهذا البلد المحرم الذي جبلت العرب على تعظيمه وتحريمه، وأنت حل بهذا البلد؛ أي: أحل لك فيه من حرماته ما لم يحل لأحد قبلك ولا بعدك، من قتل ابن خطل، وقتال المشركين ساعة من نهار، فالمراد بالبلد الأول: الباقي على تحريمه، والثانى: الذي أُحل للنبي - ﷺ - إكرامًا له وتعظيمًا لمنزلته، هكذا قاله بعض المفسرين. انتهى.
٣ - وقوله: ﴿وَوَالِدٍ﴾: معطوف على ﴿هذا البلد﴾. والمراد به إبراهيم عليه السلام، والتنكير فيه للتفخيم، ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ ذلك الوالد وهو إسماعيل عليه السلام، فإنه ولده بلا واسطة، ومحمد - ﷺ - فإنه ولده بواسطة إسماعيل، فتتضمن السورة القسم بالنبي - ﷺ - في موضعين.
وإيثار (١) ﴿مَا﴾ على من؛ لمعنى التعجب مما أعطاه الله من الكمال، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾؛ أي: بأي شيء وضعت يعني: موضوعًا عجيب الشأن وهو مريم، أو المراد بـ ﴿الوالد﴾ آدم عليه السلام، ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ ذريته، وهو الأنسب لمضمون الجواب، فالتفخيم المستفاد من كلمة ﴿مَا﴾ لا بد فيه من اعتبار التغليب؛ أي: فهو من باب وصف الكل بوصف البعض، أو للتعجيب من الأمر الذي يشترك فيه الكل كالنطق والبيان والصورة البديعة وغيرها، وقيل المراد: كل والد وكل مولود من الإنسان وغيره، واختار هذا القول ابن جرير.
٤ - وقوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾ حال كونه ﴿فِي كَبَدٍ﴾ وتعب ونصب ومشقة في جميع أحواله، جواب للقسم، يقال: كَبِد الرجل كَبَدًا إذا وجعت كبده فانتفخت، وأصله: كَبَدَهُ إذا أصاب كَبِدَه، كذكرته إذا قطعت ذكره، ورأيته إذا قطعت رئته، ثم اتسع فيه حتى استُعمل في كل نصب ومشقة، ومنه اشتقت المكابدة بمعنى مقاساة الشدة، و ﴿فِي كَبَدٍ﴾ حال من ﴿الْإِنْسَانَ﴾ بمعنى مكابدًا، وحرف ﴿في﴾ واللام متقاربان، تقول: إنما أنت للعناء والنصب، وإنما أنت في العناء والنصب، والإنسان هو هذا النوع الإنساني.
والمعنى (٢): لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة، فإنه مع كونه أضعف الخلق
(٢) روح البيان.