الوزر، فقال: ﴿الَّذِي أَنْقَضَ﴾ وأثقل ﴿ظَهْرَكَ﴾، قال الزجاج: أثقله حتى سمع له نقيض؛ أي: صوت، وهذا مثل معناه: أنه لو كان حملًا يحمل لسمع نقيض ظهره؛ أي: صوته، وأهل اللغة يقولون: أنقَضَ الحِمْلُ ظهر الناقة إذا سُمع له صرير؛ أي: صوت، قال قتادة: كان للنبي - ﷺ - ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له، وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوة التي تُثقل الظهر من القيام بأمرها، سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت له، وكذا قال أبو عبيدة وغيره.
وعبارة "الروح" هنا: مُثِّل (١) به حاله - ﷺ - مما كان يثقل عليه، ويغمه من فرطاته قبل النبوة، من من عدم إحاطته بتفاصيل الأحكام والشرائع، ومن تهالكه على إسلام المعاندين من قومه وتلهفه، ووضعه عنه مغفرته، كما قال: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ وتعليم الشرائع، وتمهيد عذره بعد أن بلَّغ وبالغ اهـ.
وقرأ ابن مسعود (٢): ﴿وحللنا عنك وقرك﴾ ومعنى (٣) الآية؛ أي: حططنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة حتى تبلِّغها، فجعلنا التبليغ عليك سهلًا، ونفسك به مطمئنة راضية، ولو قوبلت بالإساءة ممن أرسلت إليهم، كما يرضى الرجل بالعمل لأبنائه ويهتم بهم، فالعبء مهما ثقل عليه يخففه ما يجيش بقلبه من العطف عليهم والحدب على راحتهم، ويتحمل الشدائد وهو راض بما يقاسي في سبيل حياطتهم وتنشئتهم.
٤ - ثم ذكر سبحانه منته عليه وكرامته عنده، فقال: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)﴾ بعنوان النبوة والرسالة وأحكامها، روى (٤) البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ -: أنه سأل جبريل عن هذه الآية ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)﴾ قال: قال الله عن وجل: "إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي"، قال ابن عباس يريد الأذان والإقامة والتشهد والخطبة على المنابر، فلو أن عبدًا عَبَدَ الله وصدَّقه في كل شيء، ولم يشهد أن محمدًا - ﷺ - رسول الله.. لم ينتفع من ذلك بشيء وكان كافرًا، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) الخازن.