وفي هذا: عبرة لرسوله - ﷺ - بأنه سيبدل حاله من الفقر إلى الغنى، ومن قلة الأعوان إلى كثرة الإخوان، ومن عداوة قومه إلى محبتهم إلى أشباه ذلك،
٧ - ولما (١) عدد الله سبحانه على نبيه - ﷺ - نعمه السالفة.. بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة، والنصب فيها، وأن لا يخفي وقتًا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى، فقال: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ﴾ من عبادة، أي عبادة كالصلاة والصوم والدعوة ﴿فَانْصَبْ﴾؛ أي: فأتعب نفسك بأخرى؛ أي: فأتبعها بعبادة أخرى، واجتهد فيها كالنوافل مما ذكر، والنَصَب - محركًا - التعب، قال ابن عباس: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في المسألة يعطك، وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وقيل: إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، وقيل: إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك، وقيل: إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب في الاستغفار لك وللمؤمنين، قال الرازي: وبالجملة فالمراد: أن يواصل بين بعض العبادة وبعض آخر، وأن لا يخلِّي وقتًا من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى اهـ.
وقال عمر بن الخطاب: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا سبهللًا، لا في عمل دنياه، ولا في عمل آخرته، والسبهلل: الذي لا شيء معه، وقيل السبهلل: الباطل، وقال الحسن: إذا كنت صحيحًا فاجعل فراغك في العبادة، كما روي أن شريحًا مر برجلين يتصارعان، وآخر فارغ، فقال: ما أمر بهذا إنما قال: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧)﴾، وقعود الرجل فارغًا من غير شغل، من اشتغاله بما لا يعنيه في دينه من دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة.
٨ - ﴿وَإِلَى رَبِّكَ﴾ ومالك أمرك وحده ﴿فَارْغَبْ﴾؛ أي: فتضرع وتذلل إليه راغبًا في الجنة راهبًا من النار، وقيل: اجعل رغبتك إلى الله تعالى في جميع أحوالك، لا إلى أحد سواه.
والمعنى: أنه يرغب إليه تعالى لا إلى غيره كائنًا من كان، فلا يطلب حاجاته إلا منه، ولا يعوِّل في جميع أموره إلا إليه.