يقول أهلكت في عداوة محمد مالًا كثيرًا، وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل، أذنب فاستافتى النبي - ﷺ -، فأمره أن يكفر، فقال؛ لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد - ﷺ -، وفي لفظ الإهلاك إشارة إلى أنه ضائع في الحقيقة؛ إذ لا ينتفع به صاحبه في الآخرة، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حق عبد الله بن جدعان: كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه يا رسول الله؟ فقال - ﷺ -: "لا ينفعه؛ لأنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"، وقرأ الجمهور (١): ﴿لُبَدًا﴾ - بضم اللام وفتح الباء مخففًا - وقرأ مجاهد وحميد وابن أبي الزناد: ﴿لُبُدًا﴾ - بضمهما مخففًا - وقرأ أبو جعفر: بضم اللام وفتح الباء مشددًا، قال أبو عبيدة: لبد - فعل من التلبيد - المال الكثير بعضه على بعض، قال الزجاج: فعل للكثرة، يقال: رجل حطم همز لمز إذا كان كثير الحطم والهمز واللمز، قال الفراء: واحدته: لبدة، والجمع: لبد.
٧ - ﴿أَيَحْسَبُ﴾؛ أي: أيظن ذلك الأحمق المباهي ﴿أَن﴾؛ أي: أن الشأن ﴿لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ حين كان يُنفق، وأنه تعالى لا يسأله عنه، ولا يجاريه عليه؛ أي: يظن أنه لم يعاينه أحد، والاستفهام للإنكار كسابقه.
قال قتادة: أيظن أن الله سبحانه لم يره ولا يسأله عن ماله من أين كسبه وأين أنفقه، وقال الكلبي: كان كاذبًا لم ينفق ما قال، فقال الله: أيظن أن الله لم ير ذلك منه فعل أو لم يفعل، أنفق أو لم ينفق، يعني أن الله سبحانه رآه واطلع على خبث نيته، وفساد سريرته، وأنه مجازيه عليه، فمثل ذلك الإنفاق وهو ما كان بطريق المباهاة رذيلة، فكيف يعده الجاهل فضيلة، وفي الحديث: "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن ماله من أين كسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
وحاصل معنى الآيات: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)﴾؛ أي: أيظن (٢) ذلك المغتر بقوته المفتون بما أنعمنا له عليه أنه مهما عظمت حاله وقوي سلطانه يبلغ منزلة لا يقدر عليه فيها أحد، ما أجهله إذا ظن ذلك، فإن في الوجود قوة فوق جميع القوى المهيمنة على كل قوة، والمسيطرة على كل القدرة، وهي القوة التي
(٢) المراغي.