وحاصله: أن خلق الإنسان من نطفة قذرة وتقويمه بشرًا سويًا، وتحويله من حال إلى حال كمالًا ونقصانًا، أوضح دليل على قدرة الله تعالى على البعث والجزاء؛ فأي شيء يضطرك بعد هذا الدليل القاطع إلى أن تكون كاذبًا بسبب تكذيبه أيها الإنسان، والمعنى: على أن الخطاب لمحمد - ﷺ -؛ أي: فمن يكذبك أيها الرسول بعد ظهور هذه الدلائل والبراهين على البعث والجزاء؛ أي: فمن ينسبك إلى الكذب بسبب إثباتك الجزاء وإخبارك عن البعث بعد ظهور الأدلة الدالة على كمال القدرة، فإن مَن خلق الإنسان السوي من الماء المهين، وجعل ظاهره وباطنه على أحسن تقويم، ودرجه في مراتب الزيادة إلى أن استكمل واستوى، ثم نكسه إلى أن يبلغ إلى أرذل العمر، لا شك أنه قادر على البعث والجزاء، فكأنه قال: من يقدر على تكذيبك في إثبات الثواب والعقاب بعدما ظهر من قدرتنا على خلق الإنسان ما ظهر، فـ ﴿ما﴾ بمعنى: من، كما في "الجمل"، واختار هذا المعنى الآخر ابن جرير، و ﴿الدين﴾ (١): الجزاء، ومنه قول الشاعر:
دِنَّا تَمِيْمًا كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا | دَانَتْ أَوَائِلُهُمْ مِنْ سَالِفِ الزَّمَنِ |
وَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ | فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيَانُ |
وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَا | نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوْا |
(٢) روح البيان.