وأجدى)، وإنا لننكلن به نكالًا شديدًا في العاجلة، ولَنُهِيْتَهُ يوم العرض والحساب، وليدع أمثاله من المغرورين، فإنهم لن يمنعوه، ولن ينصروه، ثم ختم السورة بأمره بالتوفر على عبادة ربه فعلًا وإبلاغًا للناس مبتغيًا بذلك وجه الله سبحانه والقربى.
أسباب النزول
تقدمة تاريخية: جاء في صحيح الأحاديث: أن النبي - ﷺ - "كان يأتي غار حراء - حراء جبل بمكة - يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها حتى فجأه الوحي وهو في الغار إذ جاءه الملك، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارىء، قال: فأخذه ثانيًا، فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله، فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارىء، قال: فأخذه ثالثة فغطه حتى بلغ منه الجهد، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾.
قال الرواة: فرجع ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فأخبر خديجة الخبر، ثم قال: قد خشيت على نفسي، فقالت له: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق". الحديث الطويل رواه الإِمام أحمد والبخاري ومسلم.
ومن ذلك تعلم (١) أن صدر هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن الكريم، وأول رحمة رحم الله بها عباده، وأول خطاب وجه إلى رسوله - ﷺ -، أما بقية السورة فهو متأخر النزول، نزل بعد شيوع بعثته - ﷺ -، وبعد أن دعا قريشًا إلى الإيمان به وآمن به قوم منهم، وكان جمهرتهم يتحرشون بمن آمن به ويؤذونهم، ويحاولون ردهم عن تصديقه، والإيمان بما جاء به من عند ربه.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)...﴾ الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه (٢) ابن المنذر عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يُعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟، فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل لأطأن على رقبته،

(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.


الصفحة التالية
Icon