فإذا كانت مدة الرؤية ذلك العدد يكون ابتداؤها في شهر ربيع الأول، وهو مولده - ﷺ -، ثم أوحي إليه في اليقظة في شهر رمضان، وكان - ﷺ - في تلك المدة إذا خلا يسمع نداء: يا محمد يا محمد، ويرى نورًا؛ أي: يقظة، وكان يخشى أن يكون الذي يناديه تابعًا من الجن، كما ينادي الكهنة، وكان في جبل حراء غار؛ وهو الجبل الذي نادى رسول الله - ﷺ - بقوله: إلى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره: اهبط عني يا رسول الله، فإني أخاف أن تُقتل على ظهري، وكان رسول الله - ﷺ - يتعبد في ذلك الغار ليالي ثلاثًا وسبعًا وشهرًا، ويتزود لذلك من الكعك والزيت، وذلك في تلك المدة وقبلها.
وأول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب، ثم تبعه سائر المتألهين، وهم أبو أمية بن المغيرة، وورقة بن نوفل ونحوهما، وكان ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ابن عم خديجة - رضي الله عنها - وكان قد قرأ الكتب السالفة، وكتب الكتاب العبري، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي في آواخر عمره ثم بلغ - ﷺ - رأس الأربعين، ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو في الغار، كما قال الإِمام الصرصري رحمه الله تعالى:

وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ فَأَشْرَقَتْ شَمْسُ النُّبُوَّةِ مِنْهُ فِيْ رَمَضَانِ
قالت عائشة - رضي الله عنها -: جاءه الملك سحر يوم الإثنين، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارىء، قال: فأخذني فغطني؛ أي: ضمني وعصرني، ثم أرسلني، فعله ثلاث مرات، ثم قال: ﴿اقْرَأْ﴾ إلى قوله: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
وأخذ منه القاضي شريح من التابعين: إن المعلم لا يضرب الصبي على تعليم القرآن أكثر من ثلاث ضربات، فخرج - ﷺ - من الغار، حتى إذا كان في جانب من الجبل سمع صوتًا يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، ورجع إلى خديجة يرجف فؤاده، فحدثها بما جرى، فقالت له: أبشر يابن عمي واثبت، فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم انطلقت إلى ورقة فأخبرته بذلك، فقال فيه:


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
فَإِنْ يَكُ حَقًّا يَا خَدِيْجَةُ فَاعْلَمِيْ حَدِيْثَكِ إِيَّانَا فَأَحْمَدُ مُرْسَلُ
وَجِبْرِيْلُ يَأَتِيْهِ وَمِيْكَالُ مَعْهُمَا مِنَ اللهِ وَحْيٌ يَشْرَحُ الصَّدْرَ مُنْزَلُ