تعلموهن الكتابة؛ - أي: حذرًا من تطلعهن إلى الرجال وحذرًا من الفتنة - لأنهن قد يكتبن لمن يهوين".
قال كعب الأحبار (١): أول من وضع الكتاب العربي والسرياني، والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته ثلاث مئة سنة كتبها في الطين ثم طبخه، فاستخرج إدريس ما كتب آدم وهذا هو الأصح.
وأما أول من كتب خط الرمل فإدريس عليه السلام، وأول من كتب بالفارسية: طهمورت ثالث ملوك الفرس، وأول من اتخذ القراطيس: يوسف عليه السلام، قال السيوطي - رحمه الله تعالى -: أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وأول ما كتب القلم: أنا التواب أتوب على من تاب.
قال بعضهم: وجه المناسبة بين الخلق من العلق وتعليم القلم أن أدنى مراتب الإنسان كونه علقة، وأعلاها كونه عالمًا، فالله تعالى امتن على الإنسان بنقله من أدنى المراتب وهي العلقة إلى أعلاها وهو تعلم العلم،
٥ - وجملة قوله: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾ بدل اشتمال من التي قبلها وتعيين للمفعول؛ أي: علم الإنسان بالقلم وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يخطر بباله أصلًا، قيل (٢) المراد بـ ﴿الْإِنْسَانَ﴾ هنا: آدم، كما في قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ وقيل: ﴿الْإِنْسَانَ﴾ هنا: رسول الله - ﷺ -، وعلى هذا فالمراد بعلمه المستقبل، فإن هذا من أوائل ما نزل، والأولى حمل ﴿الْإِنْسَانَ﴾ على العموم، كما أشرنا إليه في الحال.
وحاصل معنى قوله: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)...﴾ الآيات، أي (٣): الذي جعل القلم واسطة التفاهم بين الناس على بعد الشقة، كما أفهمهم بوساطة اللسان. والقلم آلة جامدة لا حياة فيها، وليس من شأنها الإفهام، فمن جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم والبيان، أفيصعب عليه أن يجعل منك قارئًا مبينًا وتاليًا معلمًا، وأنت إنسان كامل، وقد وصف سبحانه نفسه بأنه خلق الإنسان من علق، وأنه علمه بالقلم، ليبين أحوال هذا الإنسان، وأنه خلق من أحقر الأشياء، وبلغ في كماله الإنساني أن صار عالمًا بحقائق الأشياء، فكأنه قيل: تدبر أيها الإنسان تجد

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon