ينهى عبدًا من عباد الله عن صلاته، ويعتقد أنه يجب عليه طاعته وهو ليس بخالق ولا رازق، فكيف يستسيغ ذلك لنفسه ويعرض عن طاعة الخالق الرازق، وقد روي أن عليًا - رضي الله عنه - رأى في المصلى قومًا يصلون قبل صلاة العيد، فقال: ما رأيت رسول الله - ﷺ - يفعل ذلك، فقيل له ألا تنهاهم، فقال: أخشى أن أدخل تحت قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)﴾، فلم يصرح بالنهي عن الصلاة احتياطًا.
١٠ - وتنكير (١) ﴿عَبْدًا﴾ لتفخيمه - ﷺ -، كأنه قيل ينهى أكمل الخلق في العبودية عن عبادة ربه، والعدول عن ينهاك إلى ﴿يَنْهَى عَبْدًا﴾ دال على أن النهي كان للعبد عن إقامة خدمة مولاه، ولا أقبح منه، قال المفسرون: ﴿الَّذِي يَنْهَى﴾ أبو جهل، والمراد بالعبد محمد - ﷺ -، وفيه تقبيح لصنعه وتشنيع لفعل، كأنه بحيث يراه كل من تتأتى منه الرؤية.
روي: أن أبا جهل قال في ملأ من طغاة قريش: لئن رأيت محمدًا يصلي لأطأن عنقه، وفي "التكملة": نهى محمدًا عن الصلاة، وهمّ أن يُلقي على رأسه حجرًا، فرآه في الصلاة، وهي صلاة الظهر، فجاءه ثم نكص على عقبيه، فقالوا: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة، فنزلت الآية، والمراد أجنحة الملائكة، أبصر اللعين الأجنحة، ولم يبصر أصحابها، فقال - ﷺ -: "والذي نفسي بيده لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" وكان أبو جهل يكنى في الجاهلية بأبي الحكم لأنهم كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة، ثم سمي أبا جهل في الإِسلام.
وكان - ﷺ - يدعو ويقول: "اللهم أعز الإِسلام بأبي جهل، أو بعمر" فلما أعنه الله بعمر - رضي الله عنه - دل على أن عمر أسعد قريش، كما أن أبا جهل أشقى قريش؛ إذ الأشياء تتبين باضدادها.
١١ - ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)﴾ والرؤية هنا قلبية، معناه: أخبِرْني ذلك الناهي وهو المفعول الأول، فإن مفعولي (٢) ﴿أَرَأَيْتَ﴾ هنا محذوفان،

(١) روح البيان.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon