عظة لجميع الناس، وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة، وقال ابن الشيخ في "حواشيه": وهذه (١) الآية وإن نزلت في حق أبي جهل، لكن كل من نهى عن طاعة الله تعالى فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد، ولا يلزم عليه المنع من الصلاة في الدار المغصوبة، والأوقات المكروهة؛ لأن المنهي عنه غير الصلاة، وهي المعصية التي هي الاستيلاء على حق الغير، وإيقاع الصلاة في الوقت المكروه، فإن عدم مشروعية الوصف المقارن، وكونه مستحقًا؛ لأن ينهى عنه لا ينافي مشروعية أصل الصلاة إلا أنه لشدة الاتصال بينهما بحيث يكون النهي عن الوصف موهمًا للنهي عن الأصل احتاط فيه بعض الأكابر، حتى روي عن علي - رضي الله عنه - أنه رأى في المصلى أقوامًا يصلون قبل صلاة العيد إلى آخر ما مر.
وفي "البيضاوي": ومعنى الآيات: أخبِرْني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه، من أمر بالتقوى فيما يأمره من عبادة الأوثان كما يعتقده، أو إن كان على التكذيب اللحق والتولي عن الصواب، كما يقول: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)﴾ ويطلع على أحواله، من هداه أو ضلاله ليجازيه عليه. انتهى.
وقال الفراء: المعنى: أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى وهو على الهدى وأمر بالتقوى، والناهي مكذب متول عن الذكر؛ أي: فما أعجب هذا، ألم يعلم أبو جهل بأن الله تعالى يراه ويعلم فعله، فهذا تقرير وتوبيخ انتهى.
وقال التبريزى (٢): المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر، قيل: هي أول جماعة أقيمت في الإِسلام كان معه أبو بكر وعلي وجماعة من السابقين، فمر به أبو طالب ومعه ابنه جعفر، فقال له: صل جناح ابن عمك وانصرف مسرورًا، وأنشأ أبو طالب يقول:

إِنَّ عَلِيًّا وَجَعْفَرًا ثِقَتِىْ عِنْدَ مُلِمِّ الزَّمَانِ وَالْكُرَبِ
وَاللهِ لَا أَخْذُل النَّبِيَّ وَلَا يَخْذُلُهُ مَنْ يَكُوْنُ مِنْ حَسَبِيْ
لَا تَخْذُلَا وَانْصُرَا ابْنَ عَمَّكُمَا أَخِىْ لأُمَّيْ مِنْ بَيْنِهِمُ وَأَبِيْ
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon