والفاعل على كلا القراءتين الله سبحانه، وقرأ ابن مسعود: ﴿لأسفعن﴾؛ أي: يقول يا محمد أنا الذي أتولى إهانة أبي جهل اهـ. "مراح".
روي (١): أنه لما نزلت سورة الرحمن.. قال - ﷺ -: "من يقرؤها على رؤساء قريش"، فتثاقلوا فقام ابن مسعود - رضي الله عنه - وقال: أنا. فأجلسه رسول الله، ثم قال ثانيًا: "من يقرؤها عليهم" فلم يقم إلا ابن مسعود - رضي الله عنه - ثم ثالثًا، إلى أن أذن له - ﷺ -، وكان - ﷺ - يُبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فافتتح قراءة السورة، فقام أبو جهل، فلطمه، فشق أذنه وأدماها فانصرف وعينه تدمع، فلما رآه - ﷺ - رق قلبه وأطرق رأسه مغمومًا، فإذا جبريل جاء ضاحكًا مستبشرًا، فقال: "يا جبريل تضحك، ويبكي ابن مسعود"، فقال: سيعلم، فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد، فقال له - ﷺ -: "خذ رمحك والتمس في الجرحى، ومن كان له رمق فاقتله، فإنك تنال ثواب المجاهدين، فأخذ يطالع القتلى، فإذا أبو جهل مصروع يخور، فخاف أن تكون فيه قوة فيؤديه، فوضع الرمح على منخره من بعيد فطعنه، ولعل هذا قوله: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)﴾، ثم لما عرف عجزه لم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه، فارتقى إليه بحيلة، فلما رآه أبو جهل قال له: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبًا، فقال ابن مسعود: الإِسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فقال له أبو جهل: بلِّغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إلى منه في حال مماتي، فروي أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال: فرعوني أشد من فرعون موسى، فإنه قال: آمنت وهو قد زاد عتوًا، ثم قال: يابن مسعود اقطع بسيفي هذا؛ لأنه أحد وأَقطع، فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق أذنه وجعل الخيط فيها، وجعل يجره إلى رسول الله - ﷺ - وجبريل بين يديه يضحك ويقول: يا محمد أذن بأذن لكن الرأس هاهنا مع الأذن مقطوع، ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفًا حتى لم يقول على الرأس المقطوع لوجوه:
أحدها: أن أبا جهل كلب، والكلب يُجَر ولا يحمل.
والثاني: ليشق الأذن، فيقتص الأذن بالأذن.