صلاته لنأخذن بناصيته، ولنذيقنه العذاب الأليم.
أَلَا إن تلك الناصية لكاذبة لغرورها بقوتها، مع أنها في قبضة خالقها فهي تزعم ما لا حقيقة له، وإنها لخاطئة؛ لأنها طغت وتجاوزت حدها وعتت عن أمر ربها، ونسبة الكذب والخطيئة إلى الناصية، والكاذب والمخطىء صاحبها كما مر من قبل أنها مصدر الغرور والكبرياء،
١٧ - وقد أُمِر هذا الكافر على ضرب من التهكم والتوبيخ بأن يدعو أهل الدفاع من قومه وذوي النجدة والبطش لينقذوه مما سيحل به، فقال: ﴿فَلْيَدْعُ﴾ ذلك الكافر اللعين من الدعوة ﴿نَادِيَهُ﴾؛ أي: أهل (١) ناديه ومجلسه ليعينوه، والنادي هو المجلس الذي ينتدي فيه القوم؛ أي: يجتمعون فيه، وقدر المضاف؛ لأن نفس المجلس والمكان يدعى ولا يسمى المكان ناديًا حتى يكون فيه أهله، ودار الندوة بمكة كانوا يجتمعون فيه للتشاور، والمعنى: فليدع عشيرته فليستنصر بهم،
١٨ - روي أن أبا جهل مر برسول الله - ﷺ - وهو يصلي، فقال: ألم ننهك؟ فأغلظ رسول الله - ﷺ -، فقال: "أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديًا" يريد كثرة من يعينه، فنزلت: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾؛ أي: الملائكة الغلاظ الشداد، كذا قال الزجاج، وهي ملائكة العذاب ليجروه إلى النار، واحد منهم يغلب على ألف ألف من أمثال أهل ناديه، قال - ﷺ -: "لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عِيانًا".
وقال الكسائي والأخفش وعيسى بن عمر (٢): ﴿الزَّبَانِيَةَ﴾ واحدهم زابن، وقال أبو عبيدة: زبينة، وقيل: واحدهم (٣) زباني، وقيل: اسم جمع لا واحد له من لفظه كأبابيل وعباديد - اسم موضع -، وأصل الزبن الدفع، والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿سَنَدْعُ﴾ بالنون مبنيًا للفاعل وكتبت بغير واو؛ لأنها تسقط عند الوصل لفظًا لالتقاء الساكنين، وسقطت في الكتابة تبعًا للفظ كما سيأتي، وقرأ ابن أبي عبلة: ﴿سيدعى﴾ بالياء مبنيًا للمفعول، ورفع ﴿الزَّبَانِيَةَ﴾ على النيابة عن الفاعل؛ أي: سيدعو الله سبحانه الزبانية ليجروه إلى جهنم.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.