لكن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الوجوه، ألا ترى أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، مع أن صلاة الجماعة قد تنقص صورة، فإن المسبوق سقطت عنه ركعة واحدة، وأيضًا فأنت إذا قلت لمن يُرجَم بالزنا هذا زان فلا بأس، ولو قلته للنصراني فهو قذف يوجب التعزير، ولو قلته للمحصَن فهو قذف يوجب الحد، ولو قلته في حق عائشة كان ذلك القول كفرًا، ثم القائل بقوله: هذا زان قد ظن أن هذه اللفظة سهلة، مع أنها أثقل من الجبال، فثبت بهذا أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب؛ لاختلاف وجوهها، فلا يبعد أن تكون الطاعة القليلة في الصورة مساوية في الثواب للطاعة الكثيرة.
قال في "الكواشي": ثم إن (١) نهار ليلة القدر مثل ليلة القدر في الخير، واختلفوا في وقتها كما مر، فأكثرهم على أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها، وإنما جُعلت في العشر الأخير الذي هو مظنة ضعف الصائم وفتوره في العبادة؛ ليتجدد جِده في العبادة رجاء إدراكها وجُعلت في الوتر؛ لأن الله سبحانه وتر يحب الوتر.
٤ - والوجه الثاني من فضلها: قوله عز وجل: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الليلة تهبط الملائكة كلهم من كل سماء إلى الأرض، وهو الأظهر؛ لأن الملائكة إذا نزلت في سائر الأيام إلى مجلس الذكر، فلأن ينزلوا في تلك الليلة مع علو شأنها أولى، أو إلى السماء الدنيا قالوا: ينزلون فوجًا فوجًا فمن نازل ومن صاعد كأهل الحج، فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة، ومواضع النسك بأسرهم، لكن الناس بين داخل وخارج، ولهذا السبب مدت إلى غاية طلوع الفجر، وذكر لفظ ﴿تَنَزَّلُ﴾ هو المفيد للتدريج، وبه يندفع ما يرد أن الملائكة لهم كثرة عظيمة لا تحتملها الأرض، وكذا السماء الدنيا على أن شأن الأرواح غير شأن الأجسام، والملائكة وإن كان لهم أجسام لطيفة يقال لهم: الأرواح.
وهذه الجملة مستأنفة مبينة لما له فضلت على ألف شهر، والحكمة (٢) في نزولهم في تلك الليلة أنهم لما قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ وظهر أن الأمر

(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon