٥ - والوجه الثالث قوله: ﴿سَلَامٌ هِيَ﴾؛ أي: ما هي إلا سلامة وخير كلها، لا شر فيها، وتقديم (١) الخبر فيه؛ لإفادة الحصر مثل: تميمي أنا؛ أي: ما تلك الليلة إلا ذات سلامة؛ أي: لا يحدث فيها داء ولا شيء من الشرور والآفات، كالرياح والصواعق ونحو ذلك مما يخاف منه، بل كل ما ينزل في هذه الليلة إنما هو سلامة ونفع وخير، ولا يستطيع الشيطان فيها سوءًا، ولا ينفذ فيها سحر ساحر، والليلة ليست نفس السلامة بل ظرف لها، ومع ذلك وُصفت بالسلامة للمبالغة في اشتمالها عليها، وعُلم منه أنه يُقضى في غير ليلة القدر كل من السلامة والبلاء، يعني: يتعلق قضاء الله تعالى بهما، وقال الشعبي: ما هي إلا ذات تسليم من الملائكة على أهل المساجد وسائر المؤمنين من حين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن، ومن أصابته تسليمة من الملائكة غفر له ذنبه، وفي الحديث: "ينزل جبريل كل ليلة القدر في كبكبة من الملائكة؛ - أي: جماعة متضامة - يصلون ويسلمون على كل عبد قائم من قاعد يذكر الله تعالى"، وقيل يعني: سلام الملائكة بعضهم على بعض، قال عطاء: يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته.
﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾؛ أي: من مبدئها إلى وقت طلوع الفجر فيها، وقدر المضاف؛ لكون الغاية من جنس المغيا؛ أي: إن ذلك السلام من تلك السلامة تستمر وتدوم في تلك الليلة إلى وقت طلوع الفجر، فتصعد الملائكة عند طلوعه، فيعود الزمن على حاله الأول، فمطلع بفتح اللام مصدر ميمي، ومن قرأ: بكسر اللام جعله اسمًا لوقت الطلوع؛ أي: اسم زمان، و ﴿حَتَّى﴾ متعلقة بـ ﴿تَنَزَّلُ﴾ على أنها غاية لحكم التنزل؛ أي: لمكثهم في تنزلهم، أو لنفس تنزلهم بأن لا ينقطع تنزلهم فوجًا بعد فوج إلى طلوع الفجر، وقال بعضهم ليلة القدر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر سلام؛ أي: يسلم فيها الملائكة على المطيعين إلى وقت طلوع الفجر، ثم يصعدون إلى السماء، فـ ﴿حَتَّى﴾ متعلقة بـ ﴿سَلَامٌ﴾.
قالوا (٢): علامة ليلة القدر أنها ليلة لا حارة ولا باردة، وتطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها كما مر؛ لأن الملائكة تصعد عند طلوع الشمس إلى السماء،

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon