كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾. ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ﴾ أصله: تتنزل بتائين، حذفت إحداهما للتخفيف على حد قول ابن مالك:

وَمَا بِتَائَيْنِ ابْتُدِيْ قَدْ يُقْتَصَرْ فِيْهِ عَلَى تَاءٍ كَتَبْيِيْنِ الْعِبَرْ
والتاء في ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ لتأنيث الجمع، وإذا حذفت امتنع صرفه لصيغة منتهى المجموع، وبه يلغز فيقال: كلمة إذا حذف من آخرها حرف امتنع صرفها. جمع: ملك، وأصله: ملائك، ووزنه فعال، فالهمزة زائدة، ومادته تدل على المُلك والقوة والسلطنة، وقيل: وزنه مفعل، فالميم زائدة، وقيل: هو مقلوب، وأصله مالك من الألوكة وهي الرسالة، قلب قلبًا مكانيًا فصار: ملائك، ففي وزنه القولان المتقدمان، وعلى كل فيقال: سقطت الهمزة فصار ملك، والملائكة أجسام نورانية لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة، لهم قدرة على التشكلات بالصور غير الخسيسة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
﴿سَلَامٌ هِيَ﴾ يصح أن يكون ضمير ﴿هِيَ﴾ عائدًا على ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾، و ﴿سَلَامٌ﴾ بمعنى التسليم، والمعنى: أن الملائكة يسلمون على المؤمنين، ويصح أن يكون عائدًا على ﴿لَيْلَةُ﴾، و ﴿سَلَامٌ﴾ أيضًا بمعنى التسليم، والمعنى: أن الليلة ذات تسليم من الملائكة على المؤمنين أو من بعضهم على بعض، ويصح على هذا الوجه أن يُجعل ﴿سَلَامٌ﴾ بمعنى سلامة؛ أي: ليلة القدر ذات سلامة من كل شر.
﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ بفتح اللام وكسرها، فهما مصدران في لغة بني تميم، وقيل: المصدر بالفتح، والموضع بالكسر عند أهل الحجاز اهـ "بحر". وعبارة "السمين": وقرأ الكسائي: ﴿مطلع﴾ بكسر اللام، والباقون بفتحها، والفتح هو القياس، وهل هما مصدران من المفتوح مصدر والمكسور اسم مكان؟ فيه خلاف اهـ، وعبارة "مناهل الرجال على لامية الأفعال" عند قول ابن مالك:
مَظْلَمَةٌ مَطْلَعُ الْمَجْمَعِ مَحْمَدَةٌ مَذِمَّةٌ مَنْسِكٌ مَضِنَّةُ الْبُخَلَا
واعلم: أنه قد تقدم لك أن الشاذ في باب مفعل ثلاثة أضرب:
الضرب الأول منها: ما جاء فيه وجهان: الفتح والكسر، وهو اثنتان وعشرون كلمة: الأول منها مظلمة، والثاني منها مطلع، يقال: طلع الكوكب يطلُع - من باب نصر - طلوعًا ومطلعًا - بالفتح - على القياس، ومطلِعًا - بالكسر - على الشذوذ؛ أي:


الصفحة التالية
Icon