راية العصيان في وجهه، وأَلَّبوا الناس عليه، وآذوا كل من اتبعه وسلك سبيله ممن أنار الله بصائرهم وشرح صدورهم لمعرفة الحق، كذلك قلب له اليهود ظهر المجن بعد أن كانوا من قبل يستفتحون به؛ إذ وجدوا نعته عندهم في التوراة فزعموا أن ما جاء به من الدين ليس بالبدع الجديد، بل هو معروف في كتبهم التي جاءت على لسان أنبيائهم، فلا ينبغي أن يتركوا ما هم عليه من الحق؛ ليتبعوا رجلًا ما جاء بأفضل مما بين أيديهم بل قد بلغ الأمر بهم أن كانوا عليه مع المشركين الذين كانوا يعاندونهم ويتهددونهم بأنهم يتبعون هذا النبي وينصرونه.
ففي الرد على مزاعم هؤلاء الكافرين الذين يجحدون واضح الحق، ويغمضون أعينهم عن النظر فيه نزلت هذه السورة.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من اليهود والنصارى، وإيراد (١) الصلة فعلًا لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم؛ أي: حال كونهم من أهل الكتاب، ﴿و﴾ من ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ عبدة الأوثان، و ﴿مِنْ﴾ للتبيين، لا للتبعيض حتى يلزم أن لا يكون بعض المشركين كافرين، وذلك أن الكفار كانوا جنسين: أهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى، والمشركين وهم الذين لا ينسبون إلى كتاب الله، فذكر الله سبحانه الجنسين بقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ على الإجمال، ثم أردف ذلك الإجمال بالتفصيل والتبيين، وهو قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ وهو حال من الواو في ﴿كَفَرُوا﴾؛ أي: كائنين منهم. ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ خبر كان؛ أي: لم يكونوا زائلين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان، والعزم على إنجازه.
وهذا الوعد من أهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى إنهم كانوا يستفتحون بالنبي المبعوث، ويقولون: اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان، ويقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، وإما من ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ فلعله قد وقع من متأخريهم بعدما شاع