والمعنى (١): أو إطعام يتيم من أقاربه في أيام الجوع والعوز، وفي هذا جمع بهين حقين: حق اليتم، وحق القرابة.
٣ - ١٦ ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)﴾؛ أي: ذا افتقار لا شيء له، كأنه لصق بالتراب لفقره، وليس له مأوى إلا التراب، مأخوذ من تَرِب - بالكسر - تَرَبًا بفتحتين، ومتربًا إذا افتقر، كأنه لصق بالتراب من فقره وضره، فليس فوقه ما يستره، ولا تحته ما يوطئه ويفرشه، وأما قولهم: أترب فمعناه: صار ذا مال، كالتراب في الكثرة، كما يقال: أثرى فلان إذا كثر ماله، وعن النبي - ﷺ - في قوله: ﴿ذَا مَتْرَبَة﴾ "الذي مأواه المزابل"، وقال مجاهد (٢): هو الذي لا يقيه من التراب لباس ولا غيره، وقال قتادة: هو ذو العيال، وقال عكرمة: هو المديون، وقال أبو سنان: هو ذو الزمانة، وقال ابن جبير: هو الذي ليس له أحد، وقال عكرمة: هو البعيد التربة الغريب عن وطنه، والأول أولى، ومنه قول الهذلي:

وَكُنَّا إِذَا مَا الضَّيْفُ حَلَّ بأَرْضِنَا سَفَكْنا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِيْ تُرْبَةِ الْحَال
وفي الحديث: "الساعي على الأرملة والمسكين كالساعي في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر" يقول الفقير: خص الفك والإطعام؛ لصعوبة العمل بهما، وجعل الإطعام لليتيم والمسكين؛ لما أن ذلك يثقل على النفس، فقد ينفق المرء الوفاء في هواه كطعام أهل الهوى وبناء الأبنية الزائدة، ونحو ذلك، ولا يستكثرها، وأما الفقير واليتيم فلا يراهما بصره، لهوانهما عنده، وعلى تقدير الرؤية فيصعب عليه إعطاء درهم أو درهمين، أو إطعام لقمة أو لقمتين.
والخلاصة: أي أو إطعام المسكين الذي لا وسيلة له إلى كسب المال؛ لضعفه وعجزه،
١٧ - وقوله: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٣) عطف على المنفي بـ ﴿لا﴾، وجاء بـ ﴿ثم﴾؛ للدلالة على تراخي رتبة الإيمان عن العتق والصدقة، ورفعة محله على محلهما، لتوقف صحة جميع الأعمال الصالحة على وجوده؛ لكونه أساسها، وإلا فهو في الزمان مقدم على الطاعات.
والمعنى: أن الإنفاق مع الإيمان، والتواصي هو الإنفاق المرضي النافع عند
(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon