وجوز أبو البقاء أن يكون حالًا من ﴿صحف﴾، والتقدير: يتلو صحفًا مطهرة منزلة من الله، وقوله: ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ لجوز أن تكون صفةً أخرى لـ ﴿رَسُولٌ﴾، من حالًا من متعلق الجار والمجرور قبله، ومعنى ﴿يَتْلُو﴾: يقرأ، يقال: تلا يتلو تلاوة، والصحف جمع صحيفة، وهي ظرف المكتوب، ومعنى ﴿مُطَهَّرَةً﴾ أنها منزهة من الزور والضلال، قال قتادة: مطهرة من الباطل، وقيل: مطهرة من الكذب والشبهات والكفر، والمعنى واحد.
والمعنى: أنه يقرأ ما تتضمنه الصحف من المكتوب فيها؛ لأنه - ﷺ - كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب، كما مر.
٣ - وقوله: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)﴾ صفة لـ ﴿صُحُفًا﴾، من حال من ضميرها؛ أي: في تلك الصحف أمور مكتوبة مستقيمة ناطقة بالحق والصواب، والمراد الآيات والأحكام المكتوبة فيها، وفي "المفردات": فيه إشارة إلى ما فيه من معاني كتب الله، فإن القرآن مجمع ثمرة كتب الله المتقدمة.
والمعنى (١): أي هذه البينة هي محمد - ﷺ - يتلو لهم صحف القرآن المطهرة من الخلط والزيغ والتدليس والتي تنبعث منها أشعة الحق، كما قال: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ وفيها الصحيح القويم من كتب الأنبياء السابقين كموسى وعيسى وإبراهيم، كما قال: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)﴾، وقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)﴾.
وقد يكون المراد بالكتب سور القرآن وآياته، فإن كل سورة منه كتاب قويم، من الأحكام والشرائع التي تضمنها كلام الله تعالى والتي يتبين بها الحق من الباطل، كما قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقُصارى ذلك (٢): أنّ حال الكافرين من اليهود والنصارى والمشركين بعد مجيء الرسول تخالف حالهم قبلها، فقد كانوا قبل مجيئه كفارًا يتيهون في عماية من الأهواء والجهالات، فلما بُعث آمن به قوم منهم، فلم تبق حالهم كما كانت قبل
(٢) المراغي.