هو التراب.. لم تدخل الملائكة تحت هذا اللفظ، وإن أخذتها من بريت القلم؛ أي: قَدَّرته، دخلت، وقيل: إن الهمز هو الأصل؛ لأنه يقال: برأ الله الخلق بالهمز؛ أي: ابتدعه واخترعه، ومنه قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ ولكنها خُففت الهمزة، والتزم تخفيفها عند عامة العرب.
والمعنى (١): أولئك الأشقياء المذكورون شر الخليقة؛ أي: أعمالًا وهو الموافق لما سيأتي في حق المؤمنين، فيكون في حيز التعليل لخلودهم في النار، من شرهم مقامًا ومصيرًا، فيكون تأكيدًا لفظاعة حالهم، وتوسيط ضمير الفصل؛ لإفادة الحصر؛ أي: هم شر البرية دون غيرهم كيف لا وهم شر من السراق؛ لأنهم سرقوا وأخفوا من كتاب الله نعوت محمد - ﷺ - وشر من قطّاع الطريق لأنهم قطعوا الدين الحق على الخلق، وشر من الجهال الأجلاف؛ لأن الكفر مع العلم يكون كفر عناد، فيكون أقبح من كفر الجهال، فقوله: ﴿شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ أفعل تفضيل؛ لأنهم أشر من هؤلاء المذكورين، وظهر منه أن وعيد العلماء السوء أعظم من وعيد كل أحد، ومن تاب منهم وأسلم خرج من الوعيد، وقيل: لا يجوز أن يدخل في الآية ما مضى من الكفار؛ لأن فرعون كان شرًا منهم كما مر آنفًا، وأما الآية الثانية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم وتأخر؛ لأنهم أفضل الأمم، والمعنى: هم شر الخليقة على الإطلاق؛ إذ منكِر الحق بعد معرفته وقيام الدليل عليه، منكِر لعقله، جالب لنفسه الدمار والوبال،
٧ - وبعد أن ذكر جزاء الجاحدين الكافرين.. أردفه جزاء المؤمنين المخبتين، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله وبما بعثوا به ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: الأعمال الصالحة؛ أي: جمعوا بين الإيمان والعلم والعمل الصالح، ويُفهم من مقابلة الجمع بالجمع أنه لا يكلَّف الواحد بجميع الصالحات، بل لكل مكلف حظ، فحظ الغني الإعطاء، وحظ الفقير الأخذ والصبر والقناعة ﴿أُولَئِكَ﴾ المنعوتون بما هو في الغاية القاصية من الشرف والفضيلة من الإيمان والطاعة ﴿هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ استُدل بالآية على أن البشر أفضل من المَلَك؛ لظهور أن المراد بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ هو البشر، والبرية يشمل المَلَك والجن.
سئل الحسن رحمه الله تعالى عن قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ أهم خير من