١٩ - ثم ذكر مقابل هؤلاء، وهم الذين صدوا عن سبيل الله، وتواصوا بالإثم وتوا صوا بالعدوان ومعصية الرسول، فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا ﴿بِآيَاتِنَا﴾ الكونية وآياتنا السمعية التي جاءت على ألسنة الرسل، كالقرآن وغيره من الكتب السماوية ﴿هُمْ﴾ في الإتيان (١) بضمير الغيبة دلالة على سقوطهم عن شرف الحضور، وأنهم أحقاء بالإخفاء ﴿أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾؛ أي: هم أصحاب الشمال الذين يُعطون كتبهم بشمائلهم ومن وراء ظهورهم، ويُسلَك بهم شمالًا إلى النار، أو أصحاب الشؤم والشر والشقاوة؛ لأن الفساق مشائيم على أنفسهم بمعصيتهم وعلى غيرهم أيضًا؛ أي: هم أهل الشمال الذين وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢)...﴾ الآيات.
٢٠ - ﴿عَلَيْهِمْ﴾ خبر مقدم لقوله: ﴿نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾؛ أي: نار أبوابها مغلقة عليهم، فلا يُفتح لهم باب، فلا يُخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح أبد الآباد، إلا أنها جُعلت صفة للنار إشعارًا بإحاطتها بهم، فأصل التركيب مؤصدة الأبواب، فلما تُركت الإضافة عاد التنوين إليها؛ لأنهما يتعاقبان، والمعنى؛ أي: عليهم نار مطبقة مغلقة عليهم، فلا يستطيعون الفكاك منها، ولا الخلاص من عذابها، أعاذنا الله سبحانه وجميع المسلمين منها بمنه وكرمه، وجعلنا من أصحاب الميمنة، يقال: آصدت الباب وأوصدته إذا أغلقته وأطبقته، ومنه قول الشاعر:
تَحِنُّ إِلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِيْ | وَمِنْ دُوْيهَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُؤْصَدَهْ |
وقال الشاعر:
قَوْمًا تُعَالِجُ قُمَّلًا أَبْنَاؤُهُمُ | وَسَلاَسِلًا حَلَقًا وَبَابًا مُؤْصَدَا |
(٢) البحر المحيط.