أَوْحَى لَهَا القَرَارَ فَاسْتَقَرَّتِ | وَشَدَّها بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتِ |
قال الفراء: تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها. وقيل: إن ﴿أَوْحَى﴾ يتعدى باللام تارةً وبإلى أخرى. وقيل: إن اللام على بابها مع كونها للعلة. والموحى إليه محذوف، وهو الملائكة، والتقدير: أوحى إلى الملائكة المتصرفين فيها لأجل الأرض؛ أي: لأجل ما يفعلون فيها، والأول أولى، وإذا كان الإيحاء إليها.. احتمل أن يكون وحي إلهام، واحتمل أن يكون برسول من الملائكة.
والمعنى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)﴾؛ أي: إن ما يكون للأرض يومئذٍ إنما هو بأمر إلهي خاص، فيقول لها: كوني خرابًا، كما قال لها حين بدأ النشأة الأولى: كوني أرضًا، وإنما سمي ذلك وحيًّا لأنه أتى على خلاف ما عُهِد منذ نشأة الأرض.
٦ - ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ يقع ما ذكر ﴿يَصْدُرُ النَّاسُ﴾؛ أي (١): يرجع الناس من قبورهم إلى موقف الحساب، والظرف إما بدل من ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ قبله، وإما منصوب بـ ﴿يَصْدُرُ﴾، وإما باذكر مقدرًا. والصَّدْر - بسكون الدال -: مصدر بمعنى الرجوع والانصراف بعد الورود والمجيء. قال الجمهور: الورود كونهم مدفونين، والصدر قيامهم من قبورهم، والاسم منه: الصَّدَرُ - بالتحريك - ومنه طواف الصَّدَرِ، وهو طواف الوداع. وقوله: ﴿أَشْتَاتًا﴾ حال من الناس، جمع شت - بالفتح - أي: متفرق؛ أي: متفرقين في النظام.
وعبارة الخطيب: يوم إذ زلزلت الأرض وأخرجت أثقالها يرجع الناس من قبورهم إلى ربهم الذي كان لهم بالمرصاد؛ ليفصل بينهم، حال كونهم متفرقين بحسب مراتبهم في الذوات والأحوال، من مؤمن وكافر، وآمن وخائف، ومطيع وعاص. وعن ابن عباس: متفرقين على قدر أعمالهم، أهل الإيمان على حدة، وأهل الكفر على حدة، أو متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنّة وآخذ ذات الشمال إلى النار، أو متفرقين بيض الوجوه والثياب آمنين، ينادي المنادي بين أيديهم: هؤلاء أولياء الله سبحانه، وسود الوجوه حفاة عراة مع السلاسل والأغلال فزعين،
(١) روح البيان.