هَكَذَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ رَبِّيْ | فِيْ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ وَجَلَّ ثَنَاه |
والجواب: هذا هو الكرم؛ لأن المعصية وإن قلت ففيها استخفات والكريم لا يحتمله، وفي الطاعة تعظيم وإن قل فالكريم لا يضيعه، وكأنَّ الله سبحانه يقول: لا تحسب مثقال ذرة من الخير صغيرًا؛ فإنك مع لؤمك وضعفك لم تضيع منى الذرة، بل اعتبرتها ونظرت فيها واستدللت بها على ذاتي وصفاتي، واتخذتها مركبًا به وصلت إِليَّ، إِذا لم تضيع أنت ذرتي.. أفأضيع أنا ذَرَّتك؟ ثم التحقيق: أن المقصود هو النية والقصد فإذا كان العمل قليلًا لكن النية خالصة.. فقد حصل المطلوب وإن كان العمل كثيرًا والنية دائرة.. فالمقصود فائت، ومن ذلك ما روى عن كعب: لا تحقروا شيئًا من المعروف؛ فإن رجلًا دخل الجنة بإعارة إبرة في سبيل الله، وإن امرأة أعانت بحبة في بناء بيت المقدس فدخلت الجنة. وعن عائشة رضي الله عنها: كان بين يديها عنب فقدمته إلى نسوة بحضرتها، فجاء سائل، فأمرت له بحبة من ذلك العنب، فضحك بعض من عندها فقالت: إن فيما ترون مثاقيل الذر، وتلت هذه الآية ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)﴾ ولعلها كان غرضها التعليم، وإلا.. فهي كانت في غاية السخاوة. روي: أن ابن الزبير بعث إليها بمئة ألف درهم في غرارتين، فدعت بطبق وجعلت تقسمه بين الناس، فلما أمست قالت: يا جارية، هَلُمِّي فطوري، فجاءت بخبز وزيت، فقيل لها: أما أمسَكْتِ لنا درهمًا نشتري به لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: لو ذَكَّرْتِني لفعلت ذلك. وفي الحديث: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه.
الإعراب
﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)﴾.
﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان، مضمن معنى الشرط، متعلق بـ ﴿تُحَدِّثُ﴾ الآتي؛ لأنه جوابها ﴿زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل