وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بشد السين، وقال الزمخشري: وقرأ أبو حية: ﴿فأثَّرن﴾ بالتشديد، بمعنى: فأظهرن غبارًا؛ لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة. وقرىء: ﴿فوسَّطن﴾ بالتشديد للتعدية، و ﴿الباء﴾ مزيدة للتوكيد، كقوله: وأُتُوا به، وهي مبالغة في وسطن، انتهى. أما قوله: من قلب فتمحُّلٌ بارد. وأما إن التشديد للتعدية.. فقد نقلوا أن وسط مخففًا ومثقلًا بمعنى واحد، وأنهما لغتان.
وعبارة الخازن هنا: قوله عز وجل: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)﴾ فيه (١) قولان:
أحدهما: أنها الإبل في الحج، قال علي كرم الله وجهه: (هي الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى). وعنه أيضًا قال: (كانت أول غزاة في الإِسلام بدرًا. وما كان معنا إلا فَرَسان، فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات فيها؟) فعلى هذا القول يكون معنى ضبحها: مد أعناقها في السير، وأصله من حركة النار في العود. ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)﴾؛ يعني: أن أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها، فيضرب بعض الحجارة حجرًا آخر فيوري النار. وقيل: هي النيران بجَمْعٍ ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)﴾؛ يعني: الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى، والسُّنَة أن لا يدفع حتى يصبح. والإغارة: سرعة السير، ومنه قولهم: أشرق ثبير كيما نغير. ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤)﴾؛ أي: هيجن بمكان سيرها غبارًا، ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥)﴾؛ أي: وسطن بالنقع جمعًا، وهو مزدلفة، فوجه القسم على هذا القول: أن الله تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة، وتعريضه بإبل الحج للترغيب، وفيه تقريع لمن لم يحج بعد الاستطاعة عليه، فإن الكُنود هو الكفر ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك.
والقول الثاني: في تفسير ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)﴾ قال ابن عباس وجماعة: هي الخيل العادية في سبيل الله، والضبح: صوت أجوافها إذا عدت، قال ابن عباس: وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس والكلب والثعلب. وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع من تعب، وهو من قول العرب: ضبحته النار، إذا غيرت لونه. ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)﴾؛ يعني: أنها توري النار بحوافرها إذا سارت في