نعمه إلا أن أعماله كلها جحود لنعم الله تعالى، فهي شهادة منه على كنوده، وشهادة بلسان الحال وهي أفصح من لسان المقال. وقيل: المعنى: وإن الله جل ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد، وبه قال الجمهور، وقال بالأول الحسن وقتادة ومحمد بن كعب، وهو أرجح من قول الجمهور؛
٨ - لقوله: ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: وإن الإنسان ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ أي لحب المال، فإن الضمير راجع إلى الإنسان، والمعنى (١): وإنه لحب المال ﴿لَشَدِيدٌ﴾؛ أي: قوي مطيق مجد في طلبه وتحصيله متهالك عليه، والخير المال، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ قال ابن زيد: سمى المال خيرًا، وعسى أن يكون شرًا بأن كان حرامًا، ولكن الناس يجدونه خيرًا فسماه خيرًا جريًا على عادتهم، كما سمى الجهاد سوءًا فقال: ﴿لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾؛ أي: قتال، والقتال ليس بسوء، ولكن ذكره سوءًا جريًا على عادتهم. وحب المال: إيثار الدنيا وطلبها، و ﴿اللام﴾ في ﴿لِحُبِّ﴾ متعلقة بـ ﴿شديد﴾ قدم عليه لمراعاة الفاصلة، يقال: هو شديد لهذا الأمر وقوي له إذا كان مطيقًا له ضابطًا؛ يعني: أنه قوي مجد في طلب المال وتحصيله متهالك عليه، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس. وقيل: الشديد البخيل الممسك؛ يعني: وإنه لأجل حب المال وثقل إنفاقه عليه لبخيل ممسك. والمعنى عليه أي: وإن الإنسان بسبب محبته للمال وشغفه به وتعلقه بجمعه وادخاره لبخيل.. شديد في بخله، حريص متناه في حرصه، ممسك مبالغ في إمساكه متشدد فيه، قال: طرفة:
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِيْ | عَقِيْلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ |
٩ - ثم هدد الإنسان الذي هذه صفاته وتوعده بقوله: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ﴾ الهمزة (٢) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف يقتضيه المقام، و ﴿الفاء﴾ عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيفعل ما يفعل من القبائح، من ألا يلاحظ فلا يعلم في الدنيا أن الله مجازيه ﴿إِذَا بُعْثِرَ﴾ وأُخِرج ﴿مَا فِي الْقُبُورِ﴾ من الموتى لمجازاتهم على
(٢) الشوكاني.