المفتي فيه: إن الفراش لا يعرف بالكثرة بحيث يصلح أن يكون مشبهًا به لأهل المحشر فيها إلا أن يفسر بصغار الجراد. وقال ابن الشيخ: شبه الله سبحانه الخلق وقت البعث في هذه الآية بالفراش المبثوث، وفي الآية الأخرى بالجراد المنتشر فيجمع بينهما بأن وجه التشبه بالجراد هو الكثرة والاضطراب، وبالفراش المبثوث اختلاف جهات حركاتهم، فإنهم إذا بعثوا.. فزعوا، فيذهب كل واحد منهم إلى جهة غير جهة الآخر، كالفراش؛ فإنها إذا طارت لا تتجه إلى جهة واحدة بل تختلف جهاتها، انتهى.
٥ - وقوله: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥)﴾: في محل الخفض معطوف على جملة ﴿يَكُونُ النَّاسُ﴾، و ﴿العهن﴾: الصوف المصبوغ بألوان مختلفة، والنفش: نشر الشعر والصوف والقطن، بالأصبع، وخلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، قال السجاوندي: شبه خفتها بعد رزانتها بالصوف، وتلونها بالمصبوغ، ومرها بالمندوف، واختصاص العهن لألوان الجبال، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ والمعنى: ويوم تكون الجبال كالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الحق، وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق، يبدل الله الأرض غير الأرض ويغير هيئاتها، ويسيِّر الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة، يشاهدها أهل المحشر، وهي وإن اندكت عند النفخة الأولى ولكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية. والمعنى: إن الناس من هول ذلك اليوم يكونون منتشرين حيارى هائمين على وجوههم، لا يدرون ماذا يفعلون، ولا ماذا يراد بهم، كالفراش الذي يتجه إلى غير جهة واحدة، بل تذهب كل فراشة إلى جهة غير ما تذهب إليها الأخرى. وإن الجبال لتفتتها وتفرق أجزائها لم يبق لها إلا صورة الصوف المنفوش الذي نفش ففرقت شعراته بعضها عن بعض حتى صار على حال يطير مع أضعف ريح، فلا تلبث الجبال أن تذهب وتتطاير، فكيف يكون الإنسان حين حدوث القارعة، وهو ذلك الجسم الضعيف السريع الانحلال؟.
وقد كثر في القرآن ذكر حال الجبال يوم القيامة فقال: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ وقال: ﴿وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ وقال: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (٢٠)﴾ كل ذلك ليبين أن هذه الأجسام العظيمة التي من طبعها الاستقرار