والثبات تؤثر فيها هذه القارعة، فما بالك أيها المخلوق الضعيف الذي لا قوة له؟ فمراتب الجبال ثلاثة: تفتتها أولًا، ثم صيرورتها كالعهن، ثم صيرورتها هباءً منبثًا كما بينه ذو الجلال في سورة النمل، ونص عبارته هناك: ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾؛ أي: المطر إذا ضربته الريح، أي: تسير مسيرة حتى تقع على الأرض فتستوي بها مبسوسة، ثم تصير كالعهن، ثم تفسير هباءً منثورًا، اهـ. وفي هذا تحذير للإنسان وتخويف له كما لا يخفى.
٦ - وبعد أن ذكر أوصاف هذا اليوم بما يكون من أحوال بعض الخلائق.. أعقب ذلك بذكر الجزاء على الأعمال، فقال: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦)﴾: جمع الموزون، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، من جمع ميزان. وثقلها رجحانها؛ لأن الحق ثقيل والباطل خفيف، والجمع للتعظيم، من لأن لكل مكلف ميزانًا، من لاختلاف الموزونات وكثرتها.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن ميزانه له لسان وكفتان، لا يوزن فيه إلا الأعمال ليبين الله أمر العباد بما عهدوه فيما بينهم، قالوا: توضع فيه صحف الأعمال إظهارًا للمعدلة وقطعًا للمعذرة، من تبرز الأعمال العرضية بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح؛ يعني: يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة، وبالأعمال السيئة على صور سيئة، فتوضع في الميزان؛ أي: فمن ترجحت حسناته..
٧ - ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧)﴾؛ أي: عشية طيبة، فهو من قبيل الإسناد إلى السبب؛ لأن العيش سبب الرضى من منَعَّم العيش، وقال بعضهم: معنى راضية؛ أي: راضٍ عنها صاحبها، يقال: ثَقُل ميزان (١) فلان، إذا كان له قدر ومنزلة رفيعة، كأنه إذا وضع في ميزان كان له به رجحان، وإنما يكون المقدار والقيمة لأهل الأعمال الصالحة والفضائل الراجحة، فهؤلاء يجزون النعيم المقيم الدائم، ويكونون في عيشة راضية تقر بها أعينهم وتسر بها نفوسهم، ويرى بعض المفسرين: أن الذي يوزن هو الصحف التي تكتب فيها الحسنات والسيئات ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٧)﴾؛ أي: عيشة طيبة مرضية له وحياة هنيئة يتقلب فيها قال البقاعي: ولعله ألحقها بالهاء الدالة على الوحدة، والمراد: العيش، ليُفهم أنها على حالة واحدة في الصفاء واللذة وليست ذات ألوان كحياة الدنيا؛ لأن أُمه من مسكنه جنة