أن نبحث وراء ذلك، فلا نسأل كيف يزن ولا كيف يقدر؛ فهو أعلم بغيبه ونحن لا نعلم. أما إن الميزان له لسان وكفتان.. فهذا لم يرد به نص عن المعصوم يلزمنا التصديق به، وكيف يوزن بهذا الميزان الذي تعلمه الإنسان في مهد البداوة الأولى ويترك ما هو أدق منه مما اخترع فيما بعد وهدى إليه الناس؟ على أن جميع ما عمله البشر فهو ميزان للأثقال الجسمانية لا ميزان للمعاني المقولة كالحسنات والسيئات، فلنفوض أمر ذلك إلى الله تعالى عالم الغيب. و ﴿الهاوية﴾: اسم طبقة من طبقات النار السبع وهي آخرها، والمراد من كون أمه هاوية: أن مرجعه الذي يأوي إليه مهواة سحيقة في جهنم يهوي فيها كما يأوي الولد إلى أمه، قال: أمية بن أبي الصلت:

وَالأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أَمُّنَا فِيْهَا مَقَابرُنَا وَفِيْهَا نُوْلَدُ
وقال الآخر:
يَا عَمْرُوْ لَوْ نَالَتْكَ أَرْمَاحُنَا كَنْتَ كَمَنْ تَهْوِيْ بِهِ الْهَاوَيهْ
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَأُمُّهُ﴾ بضم الهمزة، وطلحة بكسرها، قال ابن خالويه وحكى ابن دريد: أنها لغة، وأما النحويون.. فإنهم يقولون: لا يجوز كسر الهمزة إلا أن يتقدمها كسرة من ياء، انتهى. والمهوى والمهواة ما بين الجبلين، وتهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض.
١٠ - ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ يا محمد ﴿مَا﴾؛ أي: جواب ما الهاوية وما حقيقتها، فضمير ﴿هي﴾ (٢) يعود إلى ﴿الهاوية﴾ و ﴿الهاء﴾ للسكت والاستراحة والوقف، وإذا وصل القارىء.. حذفها وقيل: حقه أن لا يدرج لئلا يسقطها الإدراج؛ لأنها ثابتة في المصحف، وقد أجيز إثباتها مع الوصل، قال أبو الليث: قرأ حمزة والكسائي بغير هاء في الوصل، وبالهاء عند الوقف، والباقون بإثباتها في الوصل والوقف، وقد سبق مفصلًا في الحاقة. والاستفهام هنا للتهويل والتفظيع ببيان أنها خارجة عن حدود المعهود، فلا يدريها أحد،
١١ - ثم أعلمها بقوله: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)﴾؛ أي: هي نار متناهية نهاية الحرارة، يقال: حمي الشمس والنارُ حَمْيًا وحُميًّا وحموَّا، إذا اشتد
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon