أعماركم فيما لا يُجدي فائدة، ولا يعود عليكم بعائدة، في حياتكم الباقية الخالدة، قال العلماء: إن زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي؛ لأنها تذكر بالموت والآخرة، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها، ومن ثم قال - ﷺ -: "كنت نهيكتم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكركم الآخرة".
كما لا خلاف في منع زيارتها إذا حدث في ذلك منكرات وأشياء مما نهى عنه الشرع، كاختلاط الرجال بالنساء وحدوث فتن لا تحمد عقباها،
٣ - ثم نبههم إلى خطأ ما هم عليه، وزجرهم عن البقاء على تلك الحال التي لها وخيم العاقبة، فقال: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣)﴾ ﴿كَلَّا﴾ ردع (١) عما هم عليه من التكاثر؛ أي: ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء من أن فضل الإنسان وسعادته بكثرة أعوانه وقبائله وأمواله؛ أي: ارتدعوا عن هذا وتنبهوا عن الخطأ به، وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن لا يكون معظم همه مقصورًا على الدنيا، فإن عاقبة ذلك وبال وحسرة ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر، فالعلم بمعنى المعرفة، ولذا قُدر له مفعول واحد، وهذا إنذار وتخويف ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم.
قال الحسن - رحمه الله تعالى -: لا يغرنك كثرة من ترى حولك، فإنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك، والمعنى؛ أي (٢): ازدجروا عن مثل هذا العمل الذي لا تكون عاقبته إلا القطيعة والهجران والضغينة والأحقاد، وَالْجَؤوا إلى التناصر على الحق، والتكاتف على أعمال البر، والتضافر على ما فيه حياة الأفراد والجماعات من تقويم الأخلاق وتطهير الأعراق، وإنكم سوف تعلمون عاقبة ما أنتم فيه من التكاثر إذا استمر بكم هذا التفاخر بالباطل بدون عمل صالح نافع لكم في العقبى،
٤ - ثم أكد هذا وزاد في التهديد، فقال: ﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)﴾ كرر الردع تأكيدًا للزجر والإنذار، وفي ﴿ثُمَّ﴾ (٣) دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول؛ لأن فيه تأكيدًا خلا عنه الأول؛ لأن فيه تنزيلًا لبعد المرتبة، مرتبة بعد الزمان، واستعمالًا للفظ ﴿ثُمَّ﴾ في مجرد التدرج في درج الارتقاء، كما تقول للمنصوح:
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.