وقد ورد في الحديث: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" رواه مسلم وغيره، وذلك لأنهم كانوا يضيفون النوائب والنوازل إلى الدهر، فأقسم به تنبيهًا على شرفه، وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النوائب والنوازل كان بقضاء الله تعالى وقدره، وقيل: الكلام على حذف مضاف تقديره: ورب العصر، ورُوي عن قتادة أيضًا أنه: آخر ساعة من ساعات النهار، فالعصر هو الطرف الأخير من النهار، وقد أقسم الله سبحانه به لما في ذلك من الدلالة على قدرة الله تعالى في تصرفه في هذا الكون العظيم ووحدانيته بإدبار النهار وإقبال الليل وذهاب سلطان الشمس، فقد أقسم هنا بالطرف الأخير من النهار، كما أقسم في آية أخرى بالطرف الأول من النهار، حيث قال: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)﴾، وهو الطرف الأول من النهار؛ لما فيه من حدوث سلطان الشمس وإقبال النهار، وأيضًا إنه كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم، وقد يكون في حديثهم ما لا يليق من خبث الحديث، وما يؤدي به بعضهم بعضًا، فيتوهم الناس أن الوقت مذموم، وأن الدهر مشاكس ملعون، كما يفعل بعض الجهلة في زماننا هذا، فأقسم الله تعالى بالعصر؛ لينبه على أن الزمان في نفسه ليس مما يُذم ويسب ويلعن، كما اعتاد بعض الناس أن يقولوا زمان مشؤوم ووقت نحس ودهر سوء، وما يشبه ذلك، بل الدهر ظرف للحسنات، كما هو ظرف للسيئات، وهو ظرف لشؤون الله العظيمة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع وإحياء وإماتة. فكيف يُذم في ذاته وإنما يُذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة، فالله تعالى يُقسم بالزمان مطلقًا أو بذلك الوقت المخصوص، والزمان الذي هو العصر مملوء بالعبر والعظات مشحون بالحوادث والوقائع.
والزمان هو الأستاذ الأكبر والمعلم الأول الذي يُعلِّم الأفراد والشعوب أن العاقبة للعاملين المخلصين المتقين، وأن الخسران للعاملين الخائنين الظالمين، ومن لم يؤدبه الأبوان أدّبه الزمان؛ لأن الزمان إنما هو مؤدب أكبر ومرشد أعظم، وصروف الدهر وتقلبات الأيام كلها عبر وآيات بينات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن أجل ذلك أقسم الله تعالى به إرشادًا إلى علو مرتبته وإلى أنه شاهد صدق على أن الناس جميعًا في خسارة إلا المؤمنين الصالحين.
وقال مقاتل إن المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله