نوائب الدهر، وهذا زمان بلاءً، فأرشدهم سبحانه إلى أن الدهر خَلْقٌ من خلقه، وأنه ظرف تقع فيه الحوادث خيرها وشرها، فإن وقعت للمرء مصيبة، فبما كسبت يداه، وليس للدهر فيها من سبب.
٢ - وقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ جواب القسم، و ﴿أل﴾ في ﴿الْإِنْسَانَ﴾ استغراقية بدليل ذكر الاستثناء بعدها، فإن صحة الاستثناء من جملة أدلة العموم والاستغراق، وهي: التي يخلفها كل، ويصح الاستثناء من مدخولها؛ أي: إن كل فرد من أفراد الإنسان لفي خسران في مُتاجَره، وغبن في مساعيه، وصرف أعماره في أعمال الدنيا وضلال وخطأ عن الحق، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقيل: إن ﴿أل﴾ فيه عهدية؛ أي: للعهد الحضوري، وهي ما عهد مصحوبها ذهنًا؛ أي: إن الإنسان المعهود في ذهنك يا محمد وهم جماعة من صناديد قريش، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، والأول أولى لما في لفظ الإنسان من العهموم ولدلالة الاستثناء عليه، والخسر (١) والخسران: النقصان وذهاب رأس المال وفى حق جنس الإنسان هو نفسه وعمره، والتنكير فيه للتفخيم؛ أي: لفي خسران عظيم، لا يعلم كنهه إلا الله في متاجرهم وصرف أعمارهم في مباغيهم، ويجوز أن يكون التنوين فيه للتنويع؛ أي: نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس، قال الأخفش: ﴿في خسر﴾؛ أي: في هلكة، وقال الفراء: عقوبة، وقال ابن زيد: ﴿لفي شر﴾، وقرأ الجمهور (٢): ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ بضم الخاء وسكون السين، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى: ﴿خسر﴾ بضم الخاء والسين، ورويت هذه القراءة عن عاصم، والمعنى: إن جنس الإنسان لفي نقصان؛ لأنه ينقص عمره كل يوم وهو رأس ماله، فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة يكون على نقصان طول دهره وخسران، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم، وكيف لا يكون الإنسان في خسران ووراءه ذلك المصير المحتوم الذي قد صدر فيه الحكم من رب العنة، وكل نفس ذائقة الموت وإن عاشوا، فإلى أمد قصير وعيش حقير، ثم يتركون لذائذ الدنيا وبهجتها إلى الرمس الضيق الصغير، ثم يواريهم التراب وان كان ملكًا كبيرًا، وكأن لم يكونوا شيئًا مذكورا، فإذا لم يكونوا
(٢) الشوكاني.