وهو الخير كله من الإيمان بالله، واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل؛ أي: وصى بعضهم بعضًا بالحق الذي يحق القيام به، وهو الإيمان بالله والتوحيد والقيام بما شرعه الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، قال قتادة: ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالقرآن، وقيل: بالتوحيد، والحمل على العموم أولى.
﴿وَتَوَاصَوْا﴾؛ أي: أوصى بعضهم بعضًا وتحاثوا ﴿بِالصَّبْرِ﴾؛ أي: عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها، وعلى ما يبلو الله به عباده من البلايا، وتخصيص (١) هذا التواصي بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاعتناء به، أو لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة التي هى فعل ما يرضي به الله تعالى، والثاني عبارة عن رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله سبحانه وتعالى، فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق إليه من فعل أو ترك، بل هو تلقي ما ورد منه تعالى بالجميل والرضا به ظاهرًا وباطنًا، ولعله سبحانه إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاءً ببيان المقصود، فإن المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الأبدية، والسعادة السرمدية، وإشعارًا بأن ما عدا ما عُدَّ يؤدي إلى خسر ونقص حظ أو تكرمًا، فإن الإبهام في جانب الخسر كرم، ؛ لأنه ترك تعداد مثالبهم وأعرض عن مواجهتهم به، وكرر التواصي لاختلاف المفعولين، وهما قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿بِالصَّبْرِ﴾، وعبارة "الشوكاني": هنا: وفي جعل (٢) التواصي بالصبر قرينًا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وأيضًا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ومزيد شرفه عليها وارتفاع طبقته عنها. انتهى.
وخلاصة ما سلف (٣): أن الناس جميعًا في خسران إلا من اتصفوا بأربعة أشياء: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فيعملون الخير ويدعون إلى العمل به، ولا يزحزحهم عن الدعوة إليه ما يلاقونه من مشقة وبلاء،

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon