الطيب، وتهون عليها احتمال المكروه في سبيل الوصول إلى الأعراض الشريفة، والتواصى بالحق أن يوصي بعضهم بما لا سبيل إلى إنكاره وهو كل فضيلة وخير، والتواصي بالصبر أن يوصي بعضهم بعضًا به ويحثه عليه، ولا يكون ذلك نافعًا مقبولًا إلا إذا كمَّل للمرء نفسه به، وإلا صدق عليه قول أبي الأسود الدؤلي:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ | هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيْمُ |
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِيْ السِّقَامِ وَذِيْ الضَّنَى | كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيْمُ |
لَا تْنَهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ | عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيْمُ |
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: إدخال ﴿أل﴾ الاستغراقية على ﴿الْإِنْسَانَ﴾؛ ليعم المؤمن والكافر بدليل الاستثناء بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أو العهدية؛ ليخص الكافر المعهود، كما مر في مبحث التفسير.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾؛ ليدل على التفخيم والتعظيم؛ أي: لفي خسر عظيم ودمار شديد، لا يعلم كنهه إلا الله سبحانه.
ومنها: تكرار ﴿تواصوا﴾؛ لاختلاف المفعولين، وهما قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ و ﴿بِالصَّبْرِ﴾.
ومنها: تخصيص ذكر التواصي بالصبر مع اندراجه تحت التواصي بالحق؛ لإبراز كمال الاعتناء به، أو لأن الأول: عبارة عن رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضي الرب سبحانه، والثاني: عبارة عن العبودية التي هي الرضا بما فعل الرب سبحانه.