في وجهه، واللمزة الذي يغتابه من خلفه، وقال قتادة: عكس هذا، وروي عن قتادة ومجاهد أيضًا أن الهمزة الذي يغتاب الناس في أنسابهم، وفي "الخازن" قال ابن عباس: هم المَشَّاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب، وقيل: معناهما واحد، كما مر آنفًا، وهو العياب المغتاب للناس في بعدهم، قال الشاعر:
إِذَا لَقِيْتُكَ مِنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُنِيْ | وَإِنْ تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَا |
وحاصل هذه الأقاويل (١): يرجع إلى أصل واحد، وهو الطعن وإظهار العيب، وأصل الهمز: الكسر والقبض على الشيء بالعنف، والمراد منه هنا: الكسرُ من أعراض الناس، والغَضُّ منهم، والطعن فيهم، ويدخل فيه من يحاكي الناس بأقوالهم وأفعالهم وأصواتهم؛ ليضحكوا منه، وهما نعتان للفاعل على وزن فُعَلة نحو سُخرة وضُحَكة ولُعَنة وهُزَأة للذي يسخر من الناس، ويضحك منهم، ويلعنهم ويهزأ منهم، يقال: رجل هُزَأة لمن يهزأ بالناس.
واختلفوا فيمن نزلت فيه هذه الآية كما مر، فقيل: نزلت في الأخنس بن شُريق بن وهب، كان يقع في الناس ويغتابهم، وقال محمد بن إسحاق: مازلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أمية بن خلف الجمحي، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي - ﷺ - من ورائه، ويطعن عليه في وجهه، وقيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقيل: هي عامة في كل شخص هذه صفته كائنًا من كان، وذلك لأن خصوص السبب لا يقدح في عموم اللفظ والحكم، ومن قال: إنها في إناس معينين قال: إن كون اللفظ عامًا لا ينافي أن يكون المراد منه شخصًا معينًا،
(١) الخازن.