الهمز واللمز عادتهم كان الحطم أيضًا عادة، فقوبل صيغة فعلة بفعلة، وكذا ظنوا أنفسهم أهل الكرامة والكثرة، فعبر عن جزائهم بالنبذ المنبىء عن الاستحقار والاستقلال، يعني: شبههم استحقارًا لهم واستقلالًا بعددهم بحصيات أخذهن أحد في كفه، فطرحهن في البحر، وفيه إشارة إلى الإسقاط عن مرتبة الفطرة إلى مرتبة الطبيعة الغالبة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ بصيغة المضارع المبني للمجهول المسند إلى ضمير الواحد، وقرأ علي والحسن بخلاف عنه ومحمد بن كعب وابن محيصن وحميد وهارون عن أبي عمرو ومجاهد ونصر بن عاصم: ﴿لينبذانِ﴾ بصيغة المضارع المبني للمجهول المسند إلى ضمير اثنين؛ أي: لينبذن الهمزة وماله، وقرأ الحسن أيضًا ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾ بضم الباء على صيغة المعلوم؛ أي: لينبذن ذلك الجامع مالَهُ في النار، وقرأ الجمهور: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥)﴾ وقرأ زيد بن علي: ﴿في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة﴾، وهي النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يُلقى فيها كما مر آنفًا.
وقال الضحاك: ﴿الْحُطَمَةُ﴾ الدرك الرابع من النار، وقال الكلبي: الطبقة السادسة من جهنم، وحكى عنه القشيري: أنها الدركة الثانية، وعنه أيضًا: الباب الثاني، وقال الواحدي: باب من أبواب جهنم.
والمعنى: أي (٢) ازدجر أيها العياب عما خُيّل إليك من أن المال يخلدك ويبقيك، بل الذي ينفع هو العلم وصالح العمل، فإنك والله مطروح في النار لا محالة، لا يؤبه لك ولا يُنظر إليك، وأُثر عن علي - كرم الله وجهه - من عظة له: يا كميل هلك خزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، يريد أن خزان الأموال ممقوتون مكروهون عند الناس؛ لأنهم لا ينالون شيئًا، أما العلماء فالثناء عليهم مستمر ما بقي على الأرض إنسان ينتفع بعلمهم، ويغترف من بحار فضلهم، وروي أن الحسن - رحمه الله تعالى - زار موسرًا وعاده في مرضه، وقال: ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم، ولا تفضلت بها على كريم، قال الحسن: ولكن لماذا جمعت؟ قال الموسر:
(٢) المراغي.