إعجاز هذه السورة: وهذه السورة من آيات الله البينات، ومن أعظم المعجزات القاهرات والدلائل الباهرة التي أظهرها الله تعالى في ذلك الزمان، ليدل على وجوب معرفته عَزَّ وَجَلَّ وجليل قدرته وعظيم جبروته، وفيها إرهاص لنبوة نبينا محمد - ﷺ -، وقد وُلد في ذلك العام الذي فيه أرخ العرب، وقالوا: ولد في عام الفيل.
وما كان لأحد أن ينكر هذا، فإنه - ﷺ - لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك عليه - ﷺ -، بل أقروا به وصدقوه فيما قال، مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه، وكانوا قريب عهد بأصحاب الفيل، ولو لم يكن لذلك عندهم حقيقة واضحة وأصل بيّن.. لأنكروه وجحدوه، وشنعوا على الرسول به وكذبوه، ولكنهم صمتوا ولاذوا بالفرار أمام عظمة القرآن وصدق من أُنزل عليه القرآن سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد - ﷺ - وعليهم أجمعين.
وكيف ينبس أحدهم ببنت شفة، وقد أرخوا بعام الفيل، وتناقل خبره الكبير والصغير، كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك، كما أكثر الشعراء من ذكر عام الفيل، ونظموها في شعرهم، ونقلته الرواة عنهم، من ذلك ما قاله أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة قال:

إِنَّ آيَاتِ رَبِّنا بَاقِيَاتٌ مَا يُمَارِيْ فِيْهِنَّ إِلَّا الْكَفُوْرُ
خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَكُلٌّ مُسْتَبِيْنٌ حِسَابَهُ مَقْدُوْرُ
ثُمَّ يَجْلُوْ النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيْمٌ بِمَهَاةٍ شُعَاعُهَا مَنْثُوْرُ
حَبسَ الْفِيْلَ بِالْمُغَمَّسِ حَتَّى صَارَ يَحْبُوْ كَأَنَّهُ مَعْقُوْرُ
حَوْلَهُ مِنْ مُلُوْكِ كِنْدَةً أَبْطَا لٌ مَلَاوِيْثٌ فِيْ الْحُرُوْبِ صُقُوْرُ
كُلُّ دِيْنٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الـ ـلَّهِ إِلَّا دِيْنُ الْحَنِيْفَةِ بُوْرُ
قال عبد الله بن عمرو بن مخزوم:
أَنْتَ الْجَلِيْلُ رَبُّنَا لَمْ تُدْنَس أَنْتَ حَبَسْتَ الفِيْلَ بِالْمُغَمَّسِ
مِنْ بَعْدِ مَا هَمَّ بِشَيْءٍ مُبْلِسِ حَبَسْتَهُ فِيْ هَيْئَةِ الْمُنَكَّسِ
قال الحافظ بن كثير في "تفسبره": هذه من النعم التي امتن الله سبحانه بها


الصفحة التالية
Icon