لهم، فازدادت تلك المنافع والمتاجر حتى كان فقيرهم كغنيهم، فجاء الإِسلام وهم على ذلك، فلهذا قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)﴾ ﴿لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةً الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢)﴾ ولولا هاتان الرحلتان لم يكن بها مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف، هذا وتعلق أول هذه السورة بما قبلها من قوله تعالى: ﴿فَعَلَ رَبُّكَ﴾، أو من قوله: ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)﴾ ليس بحجة على أنهما سورة واحدة؛ لأن القرآن كله كالسورة الواحدة، بل كالآية الواحدة في أنه يصدق بعضه بعضًا، ويبين بعضه معنى بعض، ألا ترى أن قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)﴾ متعلق بما قبله من ذكر القرآن، وأما قراءة سيدنا عمر - رضي الله عنه - فإنها لا تدل على أنهما سورة واحدة؛ لأن الإِمام له أن يقرأ سورتين في ركعة واحدة.
وقيل: إن المراد رحلة الناس إلى أهل مكة، فرحلة الشتاء والصيف عمرة رجب وحج ذي الحجة؛ لأنه كان أحدهما شتاءً والآخر صيفًا، وموسم منافع مكة يكون بهما، ولو كان تم لأصحاب الفيل ما أرادوا لعُطِّلت هذه المنفعة.
قيل: وأول من سن (١) لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير، حتى كان فقيرهم كغنيهم، واتبع هاشمًا على ذلك إخوته، فكان هاشم يؤالف إلى الشام، وعبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، وكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بجاه هؤلاء الإخوة؛ أي: بحهودهم التي أخذوها بالأمان لهم من ملك كل ناحية من هذه النواحي اهـ "خطيب".
٣ - و ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَلْيَعْبُدُوا﴾ واقعة في جواب شرط مقدر، كما في "السمين" تقديره: إن لم يعبدوه لسائر نعمه عليهم فليعبدوا ﴿رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾ العتيق؛ لإيلافهم هاتين الرحلتين؛ أي: لتأليف الله وتمكينه لهم من هاتين الرحلتين؛ أي: لتحبيبه لهم الرحلتين؛ أي: لجعله إياهم آلفين ومحبين لهما مسترزقين بهما لتيسيرهما عليهم، وقيل: ﴿الفاء﴾ زائدة، ولذلك جاز تقديم معمول ما بعدها عليها، قاله الشهاب، والأول أصح.