محل نصب لعطفه على الموصول الذي هو في محل نصب، ويصح حمل الحق على الميراث، فقد تقدم في سورة النساء أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، ويقولون: إنما يحوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام اهـ "قرطبي".
٢ - ٣ ﴿وَلَا يَحُضُّ﴾؛ أي: ولا يحث أهله وغيرهم من الموسرين ﴿عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ والمحاويج؛ أي: على إطعامه، وإذا كان لا يحث غيره على ذلك ولا يدعو إليه، فهو لا يفعله بالأولى، وفي هذا توجيه (١) لأنظارنا إلى أَنَّا إذا لم نستطع مساعدة المسكين.. كان علينا أن نطلب من غيرنا معونته ونحثه على ذلك، كما تفعل جماعات الخير، والجمعيات الخيرية.
وقصارى ما سلف: أَن للمكذبين صفتين:
أولاهما: أن يُحقِّر الضعفاء ويتكبر عليهم.
وثانيهما: أن يبخل بماله على الفقراء والمحاويج، أو يبخل لسعيه لدى الأغنياء؛ ليساعدوا أهل الحاجة ممن تحقق عجزهم عن كسب ما ينقذهم من الضرورة، ويقوم لهم بكفاف العيش، وسواء أكان المحتقِر للحقوق البخيل بالمال والسعي لدى غيره، مصليًا أو غير مصل، فهو في صف المكذبين، ولا تخرجه صلاته منهم؛ لأن المصدق بشيء لا تطاوعه نفسه على الخروج مما صدق به، فلو صدق بالدين حقًا.. لصار منكسرًا متواضعًا لا يتكبر على الفقراء ولا ينهر المساكين ولا يزجرهم، فمن لم يفعل شيئًا من ذلك فهو مراء في عمله، كاذب في دعواه، ومن ثم قال سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤)...﴾ إلخ.
والخلاصة (٢): أنه يمنع المعروف عن المستحق لاستيلاء النفس البهيمية ومحبة المال عليه، واستحكام رذيلة البخل فيه، فإنه إذا ترك حث غيره، فكيف يفعل هو بنفسه، فعُلم أن كلًّا من ترك الحث وترك الفعل من أمارات التكذيب، وفي العدول من الإطعام إلى الطعام وإضافته إلى المسكين دلالة على أن للمساكين شركة وحقًا في مال الأغنياء، وأنه إنما منع المسكين مما هو حقه، وذلك نهاية البخل وقساوة البخل وخساسة الطبع.
(٢) روح البيان.