فإن قلت: قد لا يحض المرء في كثير من الأحوال، ولا يعد ذلك إثمًا، فكيف يذم به؟.
قلت: إما لأن عدم حضه لعدم اعتقاده بالجزاء، وإما لأن ترك الحض كناية عن البخل ومنع المعروف عن المساكين، ولا شبهة في كونه محل الذم والتوبيخ، كما أن منع الغير من الإحسان كذلك.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَدُعُّ﴾ - بضم الدال وشد العين - من دع من باب رد، كما في "المختار" بمعنى دفع، وقرأ علي والحسن وأبو رجاء واليماني بفتح الدال تخفيف العين من وَدَعَ بمعنى ترك؛ أي: يترك اليتيم بمعنى: لا يحسن إليه، ويجفوه.
وقرأ الجمهور: ﴿وَلَا يَحُضُّ﴾ مضارع حض الثلاثي، وقرأ زيد بن علي: ﴿يحاض﴾ مضارع حاضض الرباعي،
٤ - ولما ذكر أولًا عمود الكفر وهو التكذيب بالدين.. ذكر ما يترتب عليه مما يتعلق بالخالق، وهو عبادته بالصلاة، فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤)﴾ ﴿الفاء﴾ (٢): لربط ما بعدها بشرط محذوف، كأنه قيل: إذا كان ما ذُكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين من دلائل التكذيب بالدين وموجبات الذم والتوبيخ.. فويل للمصلين؛ أي: فشدة عذاب، أو هلاك عظيم، أو واد في جهنم كما سبق الخلاف في الويل، كائن للمصلين؛ ﴿فَوَيْلٌ﴾: مبتدأ. ﴿لِلْمُصَلِّينَ﴾: خبره.
٥ - ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥)﴾ ومعرضون عنها، سهو ترك لها وقلة التفاتٍ إليها وعدم مبالاةٍ بها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة من المؤمنين، وهو معنى ﴿عَن﴾ في قوله: ﴿عَنْ صَلَاتِهِمْ﴾، ولذا قال أنس - رضي الله عنه -: الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم، وذلك أنه لو قال: في صلاتهم.. لكان المعنى: أن السهو يعتريهم، وهم فيها إما بوسوسة شيطان أو بحديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، والخلوص منه عسير، ولما نزلت هذه الآية.. قال رسول الله - ﷺ -: هذه خير لكم من أن يُعطى كلُّ واحد منكم مثلَ جميع الدنيا، ومعنى ﴿سَاهُونَ﴾ (٣): غافلون غير مبالين بها، ويجوز أن تكون ﴿الفاء﴾؛ لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذُكر من قبائحهم ووضع المصلين موضع ضميرهم؛ للتوصل بذلك إلى بيان أن لهم قبائح أخر غير ما ذكر.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.