أي: إنهم يفعلون أفعالًا ظاهرة بقدر ما يرى الناس دون أن تستشعر قلوبهم بها، أو تصل إلى معرفة حكمها وأسرارها، وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وطلب المنزلة في قلوب الناس، ويكون فعل ذلك على ضروب:
١ - بتحسين السمت مع إرادة الجاه وثناء الناس.
٢ - بلبس الثياب القصار، أو الخشنة، ليأخذ بذلك هيبة الزهاد في الدنيا.
٣ - بإظهار السخط على الدنيا، وإظهار التأسف على ما يفوته من فعل الخير.
٤ - بإظهار الصلاة والصدقة، أو بتحسين الصلاة، لرؤية الناس له، قال في "الكشاف": والعمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها؛ لقوله - ﷺ -: "ولا غمة في فرائض الله"؛ لأنها أعلام الإِسلام وشعائر الدين، ولأن تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار، وإن كان تطوعًا فحقه أن يخفي؛ لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، وإن أظهره قاصدًا للاقتداء فيه كان جميلًا، وإنما الرياء أن يقصد أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح، واجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص، ومن ثم قال - ﷺ -: "الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على المسح الأسود"، والمسح كساء من صوف خشن يلبسه الزهاد، والفرق (١) بين المرائي والمنافق أن المنافق يُبطِن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر زيادة الخشوع وآثار الصلاح؛ ليعتقد من يراه أنه من أهل الصلاح.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يُرَاءُونَ﴾ مضارع راءَى من باب فاعل، وقرأ ابن أبي إسحاق والأشهب: مهموزة مقصورة مشددة الهمزة من باب فعل المضعف، وعن ابن أبي إسحاق بغير شد في الهمزة، فتوجيه الأولى، إلى أنه ضعف الهمزة تعديةً، كما عَدَّوا بالهمزة، فقالوا في رأى أرى، وقالوا: راءى، فجاء المضارع يُرَئِّيْ كيصلي، وجاء الجمع يُرَؤُّون كيصلون، وتوجيه الثانية أنه استثقل التضعيف في الهمزة، فخففها أو حذف الألف من يرأون حذفًا لا لسبب.
٧ - ﴿وَيَمْنَعُونَ﴾ الناس ﴿الْمَاعُونَ﴾؛ أي: محقرات الأموال وقلائلها مما يتعاطاه

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon