بذلك ممن ذكروا وغيرهم من أعداء الإِسلام، ومبغضي رسول الله - ﷺ - الذين كانوا يستهزئون به وبدعوته، واستمروا كذلك حتى كفاه الله شرهم، فقال: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾، وقضى الله عليهم، وجعل كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والله على كل شيء قدير.
وحاصل أسباب نزول هذه السورة (١): أنه كان المشركون من أهل مكة والمنافقدن من أهل المدينة يعيبون النبي - ﷺ -، ويلمزونه بأمور:
١ - أنه إنما اتبعه الضعفاء ولم يتبعه السادة الكبراء، ولو كان ما جاء به من الدين صحيحًا.. لكان أنصاره من ذوي الرأي والمكانة بين عشائرهم، وهم ليسوا ببدع في هذه المقالة، فقد قال قوم نوح له فيما قصه الله علينا: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾، وقد جرت سنة الله سبحانه في خلقه أن يسرع في إجابة دعوة الرسل الضعفاء من قبل أنهم لا يملكون مالًا، فيخافوا في سبيل الدعوة الجديدة ولا جاهًا ولا نفوذًا، فيخافوا أن يضيَّعا أمام الجاه في منحه صاحب الدعوة، وأن يتخلف عنها السادة الكبراء حتى يدخلوا في دين الله، وهم له كارهون، ومن ثم يظل الجدل بين أولئك الصناديد ورسل الله تعالى، ويأخذون في انتقاصهم وكيل التهم لهم تهمة بعد تهمة، والله ينصر رسله ويؤيدهم وبشد أزرهم، وعلى هذا السنن سار أهل مكة مع النبي - ﷺ -، فقد تخلف عنه سادتهم وكبراؤهم حسدًا له ولقومه الأدنين.
٢ - أنهم كانوا إذا رأوا أبناءه يموتون يقولون: انقطع ذكر محمد وصار أبتر، يحسبون ذلك عيبًا، فيلمزونه به، ويحاولون تنفير الناس عن اتباعه.
٣ - أنهم كانوا إذا شدة نزلت بالمؤمنين.. طاروا بها فرحًا، وانتظروا أن تدول الدولة عليهم، وتذهب ريحهم، فتعود إليهم مكانتهم التي زعزعها الدين الجديد، فجاءت هذه السورة لتؤكد لرسوله أن ما يرجف به المشركون، وهم لا حقيقة له، ولتمحص نفوس الذين لم تصلب قناتهم، ولترد كيد المشركين في نحورهم، ولتعلمهم أن الرسول منتصر لا محالة، وأن أتباعه هم المفلحون.