قلت: أجيب عنه بأن في الضحى باعتبار التمكن والاستيلاء، وذلك يحصل في المستقبل في يوم القيامة، وما هنا بتقدير التقدير الأزلي.
والصحيح: أن للنبي - ﷺ - نهرين:
أحدهما: بعد دخول الجنة يسمى كوثرًا.
والثاني: قبل الصراط، ويسمى حوضًا، كما يدل عليه مجموع الأحاديث السابقة، واختُلف في الميزان والحوض أيهما قبل الآخر؟ فقيل: الميزان قبل، وقيل: الحوض قبل.
قال الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل، قلت: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشًا، فيقدم قبل الصراط والميزان والله أعلم اهـ من "تذكرة القرطبي".
٢ - وبعد أن أكد الله سبحانه وتعالى لنبيه - ﷺ - الخبر بأن في أعطاه هو الكوثر الذي لا يُستقل عدده ولا يُنتقص قدره، وأن ما يعدونه كثيرًا وعظيمًا من خيراتهم ونعيمهم، فهو بالنسبة إليه قليل وحقير، طالبه الله سبحانه بالشكر على ذلك، فقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)﴾؛ أي: وانحر له، فحذف اكتفاء بما قبله، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: فصل لنا، فانتقل إلى الاسم الظاهر؛ لأنه يوجب عظمة ومهابة، و ﴿الفاء﴾ (١) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن إعطاءه تعالى إياه - ﷺ - ما ذُكر من العطية التي لم يعطها، ولن يعطيها أحدًا من العالمين مستوجب للمأمور به أي استيجاب، والنحر يكون في اللبة كالذبح في الحلق، ويصح أن تكون ﴿الفاء﴾ للإفصاح، والمعنى على الأول: فدم يا محمد على الصلاة لربك الذي أفاض عليك هذه النعمة الجليلة التي لا تضاهيها نعمة خالصًا لوجهه، كما دل عليه اللام الاختصاصية، خلافًا للساهين عنها المرائين فيها أداء لحقوق شكرها، فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر، وهي ثلاثة: الشكر بالقلب؛ وهو أن يعلم أن تلك النعم منه تعالى لا من غيره، والشكر باللسان؛ وهو أن يمدح المنعم ويثني عليه، والشكر بالجوارح، وهو أن يخدمه ويتواضع له، والصلاة جامعة لهذه الأقسام، والمراد الأمر له - ﷺ - بالدوام على إقامة الصلوات المفروضة.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon