بالاستغفار لأمته لا لذنبه؛ أي: واسأل أن يغفر لك ولمن اتبعك من أصحابك ما كان منهم من القلق والضجر والحزن والأسى لتأخر النصر، والتوبة من هذا القلق إنما تكون بتكميل الثقة بوعد الله، وتغليبها على خواطر النفس التي تحدثها الشدائد، وإن كان ذلك مما يشق على نفوس البشر، ولكن الله قد علم أن نفس رسوله قد تبلغ ذلك الكمال، ومن ثم أمره به، وهكذا يحدث في نفوس الكملة أصحابه وأتباعه ما يقارب ذلك، والله يتقبله منهم، ثم علل طلب الاستغفار بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾؛ أي: إنه سبحانه وتعالى كان كثير القبول لتوبة عباده مبالغًا في قبول توبتهم منذ خلق المكلفين، فليكن كل تائب مستغفر متوقعًا للقبول، وذلك لأنه يربي (١) النفوس بالمحن، فإذا وجد الضعف أنهضها إلى طلب القوة، وشدَّ عزيمتها بحسن الوعد، ولا يزال بها حتى تبلغ مرتبة الكمال، وهذه الجملة تعليل لأمره - ﷺ - بالاستغفار؛ أي: من شأنه التوبة على المستغفرين له يتوب عليهم ويرحمهم بقبول توبتهم.
وفي اختيار (٢) ﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ على غفارًا مع أنه الذي يستدعيه قوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ حتى قيل: وتب مضمر بعده، وإلا لقال: غفارًا تنبيه على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة والندم والعزم على عدم العود، ثم إن مَن أضمر: وتب، يحتمل أنه جعل الآية من الاحتباك، حيث دل بالأمر بالاستغفار على التعليل بأنه كان غفارًا، وبالتعليل بأنه كان توابًا على الأمر بالتوبة؛ أي: استغفره وتب.
وذكر البرهان الرشيدي: أن صفات الله تعالى التي على صيغة المبالغة كلها مجاز؛ لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها؛ لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكبر وأكثر مما له وصفاته تعالى منزهة عن ذلك، واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله، وقال الزركشي في "البرهان": التحقيق أن صيغة المبالغة قسمان:
أحدهما: ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
والثاني: بحسب تعدد المفعولات، ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة، إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين، وعلى هذا القسم تُنَزَّلُ صفاته
(٢) روح البيان.