بالعكس، القياس فيه أفعال كحوض وأحواض، وشذ فيه أفعل كثوب وأثوب.
﴿وَاسْتَغْفِرْه﴾؛ أي: اسأله واطلب منه أن يغفر لك ذنوبك ولقومك الذين اتبعوك.
﴿تَوَّابًا﴾؛ أي: كثير القبول لتوبة عباده، وهو من صيغ المبالغة، وقد سبق لك عن الرشيدي: أن صيغة المبالغة كلها في صفات الله مجاز؛ لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها؛ لأن المبالغة أن يُثبت للشىء أكثر مما كان له أصالة، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك، واستحسنه التاج السبكي.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾؛ أي: حصل نصر الله حيث أطلق اسم المجيء على الحصول، واستعاره له، فاشتق من المجيء بمعنى الحصول جاء بمعنى حصل، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، وإنما تجوَّز عن الحصول بالمجيء؛ للإشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها، فتقرب منها شيئًا فشيئًا، فكأنها سائرة إليها.
ومنها: عطف المسبَّب على السبب في قوله: ﴿وَالْفَتْحُ﴾؛ لأن الفتح مسبَّب عن نصر الله تعالى إياه، وفيه أيضًا إطلاق العام وإرادة الخاص؛ لأن الفتح يشمل جميع الفتوح، ولكن المراد هنا فتح مكة على قول.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾ كالإضافة في ﴿نَاقَةُ اللَّهِ﴾، وبيت الله.
ومنها: إطلاق العام وإرادة الخاص في قوله: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ﴾؛ لأن لفظ الناس عام، ولكن المراد به هنا العرب. ويقال: إن في قوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)﴾ استعارة مكنية تبعية، شَبَّه المقدور وهو النصر والفتح بكائن حي يمشي متوجهًا من الأزل إلى وقته المحتوم، فشبه الحصول بالمجيء وحذف المشبه به، وأخذ شيئًا من خصائصه، وهو المجيء.