معاداته رسول الله - ﷺ - طلبًا للعلو والظهور، فكما أن ذلك لم يُجْدِهِ شيئًا في الدنيا؛ إذ لم يتغلب على الرسول - ﷺ -، ولم يقطع ما أراد الله أن يوصل.. لم يفده في الآخرة، بل لحقه البوار والنكال وعذاب النار، أي: لم يُغن (١) عنه ماله حين حل به التباب، ولم ينفعه أصلًا على أن ﴿مَا﴾ نافية، أو أي شيءٍ أغنى عنه؟ على أنها استفهامية في معنى الإنكار، منصوبة بما بعدها على أنها مفعول به، أو أيَّ إغناء أغنى عنه؟ على أنها مفعول مطلق، أصل ماله وما كسبه به من الأرباح والنتائج والمنافع والوجاهة والأتباع، ولا أحد أكثر مالًا من قارون وما دفع عنه الموت والعذاب، ولا أعظم ملكًا من سليمان عليه السلام وما دفع عنه الموت، والظاهر أن ﴿مَا﴾ الأولى نافية، والثانية موصولة، أو المراد: ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه كما مر آنفًا، أو عمله الخبيث الذي هو كيده في عداوة النبي - ﷺ -، أو عمله الذي ظن أنه منه على شيء، كقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)﴾ وقرأ عبد الله (٢): ﴿وما اكتسب﴾ بتاء الافتعال، قال ابن مسعود لما دعا رسول الله - ﷺ - أقرباءه إلى الله تعالى.. قال أبو لهب: إن كان ما تقول يابن أخي حقًا، فانا أفتدي نفسي بمالي وولدي، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)﴾ وقد خاب رجاه (٣)، وما حصل ما تمناه، فافترس ولده عتيبة - مصغرًا - أسد في طريق الشام، وذلك أن عتيبة بن أبي لهب، وكان تحته ابنة رسول الله - ﷺ - زينب - رضي الله عنها - أراد الخروج إلى الشام، فقال: لآتين محمدًا فلأوذينه، فأتاه فقال: يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه رسول الله - ﷺ -، ورد عليه ابنته وطلقها، فقال النبي - ﷺ -: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك"، فرجع عتيبة إلى أبيه فأخبره، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلًا، فأشرف عليهم راهب من الدير، فقال: إن هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب: أعينوني يا معشر قريش هذه الليلة، فإني أخاف على ابني دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم، وأحدقوا لعتيبة، فجاء الأسد يتخللهم ويتشمم وجوههم، حتى ضرب عتيبة فقتله، وهلك أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال، والعدسة بثرة تخرج في البدن تشبه العدسة، وهي من جنس
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.