شفيع، وبهذا أبطل عقيدة مشركي العرب الذين يعتقدون بالوسائط والشفعاء، وعقيدة غيرهم من أهل الأديان الأخرى الذين يعتقدون بأن لرؤوسهم منزلة عند ربهم ينالون بها التوسط لغيرهم في نيل مبتغاهم فيلجؤون إليهم أحياء وأمواتًا، ويقومون عند قبورهم خاضعين خاشعين، كما يخشعون لله أو أشد خشية.
وفي "الخازن" (١): قال ابن عباس: الصمد الذي لا جوف له، وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللغة أن الصمد الشيء المصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة: الصماد، فإن فُسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ويتعالى الله جل وعز عن صفات الجسمية، وقيل: وجه هذا القول أن الصمد الذي ليس بأجوف معناه: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)﴾ التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ وقيل: ﴿الصَّمَدُ﴾ الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان وهو سائر الجمادات الصلبة، والثاني أشرف من الإنسان، وأعلى منه وهو الباري جل وعلا. انتهى.
وعبارة "النسفي": والمعنى هو (٢) الله تعرفونه، وتقرون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم، وهو واحد لا شريك له، وهو الذي يصمد إليه، ويقصد كل مخلوق ولا يستغنون عنه، وهو الغني عنهم انتهى.
٣ - ثم صرح ببعض أحكام جزئية مندرجة تحت الأحكام السابقة (٣)، فقيل: ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ تنصيصًا على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح وعزير، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي حيث قال: لم يلد من غير أن يقال: لن يلد، أو لا يلد؛ أي: لم يصدر منه سبحانه وتعالى ولد؛ لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ولا يفتقر إلى ما يعينه أو
(٢) النفي.
(٣) روح البيان.