بالطاعة والعمل الصالح، وقال ابن الأعرابي: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾؛ أي: دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم، وفي "القاموس" كما سيأتي: خاب يخيب خيبة: حُرِم وخسر، ولم ينل ما طلب، وأصل دس: دسس، كتقضى البازي وتقضض من التدسيس، وهو الإخفاء مبالغة الدس، واجتماع الأمثال لَمَّا أوجب الثقل قلبت السين الآخيرة ياء، وقال الراغب: الدس: إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه، ودساها؛ أي: دسسها في المعاصي. انتهى.
والمعنى (١): أي وقد خسر نفسه وأوقعها في التهلكة، من نقصها حقها بفعل المعاصي، وأخفاها بالفجور ومجانبة البر والقربات، وبإرسالها في المشتهيات الطبيعية، فإن من سلك سبيل الشر وطاوع داعى الشهوة.. فقد فعل ما تفعل البهائم، وبذلك يكون قد أخفى عمل القوة العاقلة التي اختص بها الإنسان، واندرج في عداد الحيوان، ولا شك أنه لا خيبة أعظم ولا خسران أكبر من هذا المسخ الذي يجلبه الشخص لنفسه بسوء أعماله.
١١ - وقوله: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ المراد به القبيلة، ولذا قال: ﴿بِطَغْوَاهَا﴾ بضمير المؤنثة الغائبة، ولم يقل: بطغواهم كلام (٢) مستأنف وارد لتقرير مضمون. قوله تعالى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ فإن الطغيان أعظم أنواع التدسية، والطغوى - بالفتح - مصدر بمعنى الطغيان إلا أنه لما كان أشبه برؤوس الآيات.. اختير على لفظ الطغيان وإن كان الطغيان أشهر، وفي "الكشف": الطغوى من الطغيان، فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء بأن قلبوا الياء واوًا في الاسم، وتركوا القلب في الصفة. والباء فيه للسببية، أي: فعلت التكذيب بسبب طغيانها، كما تقول: ظلمني بجراءته على الله تعالى، فالفعل منزل منزلة اللازم، فلا يقدر له مفعول وهو المشهور، أو كذبت ثمود نبيها صالحًا عليه السلام، فحُذف المفعول للعلم به، ويجوز أن يكون صلة للتكذيب؛ أي: كذبت بما أوعدت به من العذاب ذي الطغوى والتجاوز عن الحد، وهو الصيحة، كقوله تعالى: ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾؛ أي: بصيحة ذات طغيان.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿بِطَغْوَاهَا﴾ بفتح الطاء، وقرأ الحسن والجحدري ومحمد بن

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon